موريتانيا على وشك صدام بين النظام و من يحرصون على كامل حرية التعبير.
النظام يريد تمرير قانون حماية الرموز ،و لو معدلا،مع وجود مواد مثيرة طبعا،و يريد النظام كذلك الاستمرار فى اعتقال المدونين،و محاولة إيقاف "حرب الفوكالات" ،المتوسعة تصاعديا،و التى كشفت الكثير،بينما يريد الناس التنفيس و الاستمرار فى التعبير ،على الأقل،عن معاناتهم،
و يريد البسطاء من الناس،بالدرجة الأولى، العافية و الخبز،و إن كانو أيضا حريصين على حريتهم.
بصراحة ينبغى علينا جميعا أن نتحاشى التصعيد و النوتير ،عسى أن لا نندم يوما قريبا،لا قدر الله.
و لد عيد العزيز صبر أكثر من ولد غزوانى على الإعلام،بينما بدأ نظام غزوانى يدخل معركة مفتوحة مع من يتتقده،على وجه حاد!.
إن التحذير قبل الدخول فى معترك الأزمات،قد يتيح فرصة مراجعة الحسابات و التموقع و رسم خطة الانسحاب،ربما من أجل جو الأفضل،و هو الاستقرار.
أما عندما يصر طرف متغلب على التنفيذ الحرفي لما يحمى مصالحه الضيقة،على طريقة الأنظمة الشمولية،فقد يختمر التفكير لدى أطراف أخرى، لتهيئة الظروف الإعلامية و السياسية،للانتقام يوما ما،من الذين استأثروا بالمال و النفوذ،و لم يتركوا للرأي الآخر، مساحة معتبرة مريحة.
و يحق لنا التوقف و التساؤل،لماذا هذه الاعتقالات،بحق بعض المدونين و المواطنين البسطاء،بسبب إبداء آرائهم المعترضة؟!،و لماذا المسارعة لتدبيج القوانين على عجل و محاولة تمريرها عن طريق البرلمان،رغم ما لقيت سابقا من معارضة، مما استدعى تأجيلها للدورة الحالية،و هل ثمة خطر يستهدف الدولة و استقرارها و توازنها،يتطلب كل هذا الاستعجال التشريعي؟!.
و ضمن محاولة الإجابة على هذه الأسئلة،التى قد تحتاج تأملات و بحوث أكثر،أقول باختصار،الإساءة لا داعي لها، و لكن منكر القول، حين يكون دافعه الظلم، قد يكون استثناءً،و لا بأس بالصبر و اختيار أسلوب جامع.
لكن من اختار تولى هموم الرعية و آلامها، لزمه الصبر على تأوهاتها و شكواها بشتى الطرق،كما أن كل هذه الحساسية من الرفض و الامتعاض،لا مبرر لها إطلاقا،على رأي البعض،فلا معنى لازدواجية الفشل و رفض أصوات و أنين الضحايا،و اللجوء فى المقابل، لتكميم الأفواه و تغريم الجوعى!.
ثم إن هذه المسارعة للسجن و سن القوانين،تؤكد على ضيق صدر الحكام الجدد، من وقع كلمات المحتجين،و كأنها تقع عليهم كالسهام المسمومة،و إذا كان الأمر بهذا القدر من الإيلام،فلماذا لا يجيد هؤلاء المسؤولون أدوارهم أو يستقيلون،بدل الاحتماء بالانتقام من المظلومين!.
و لكل حكم تقريبا فى العالم الثالث و الوطن العربي بوجه خاص،ضحايا ممن يعبرون عن آراءهم،و كنت من بينهم،أيام نظام ما بعد 3أغسطس 2005،عندما كتبت ضد غسيل الأموال و المخدرات فى جريدة الأقصى مايو 2007،و بدل استفادة السلطة من هذا المقال الاستقصائي،غرمت و سجنت و أذقت الأمرين،غير أن ذلك لم يذهب سدى و لن يذهب سدى،بإذن الله.
لقد وجدت السجن عالما آخر، من التلوث و الأوساخ و مصادرة الحرية و مختلف المخاطر!.
فيا معشر البرلمانيين، لا يوقعنكم زيد أو عمرو فى فضيحة الدنيا و عذاب الآخرة،فما بعض هذه القوانين المثيرة المعتمة،إلا تغريم ثقيل و سجن كريه و أغلال فى أيدى الأحرار و المغلوب على أمرهم.