إن قضية اللاجئين الفلسطينيين تعد جوهر الصراع العربي ـ الإسرائيلي، حيث كانت سببا لتهجير ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني واحتلال أربعة أخماس أرض فلسطين، حيث وأدت النكبة إلى ضرب مقومات المجتمع العربي الفلسطيني وفرضت حالة من التمزق والتشتت والضياع، فيما أقامت الحركة الصهيونية كيانها السياسي في فلسطين التاريخية.
ومن أوساط اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والمنفى تبلورت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وانطلقت ثورة الكفاح المسلح، والتي كرست الهوية الوطنية وصاغت التطلعات السياسية للشعب العربي الفلسطيني، وعملت على تأطير أبناء الشعب الفلسطيني في حركة تحرر قادت صراعاً مريراً ضد الحركة الصهيونية والإمبريالية العالمية التي دعمتها من أجل إقامة كيانها السياسي في قلب الوطن العربي تحقيقاً لأهدافها الاستعمارية.
وكنتيجة لعملية القتل والتهجير التي انطلقت من عقلية عدوانية قامت على أساس التطهير العرقي للشعب الفلسطيني من خلال عمليات عسكرية نظمتها العصابات الصهيونية، وبدعم منقطع النظير من حكومة الانتداب البريطانية عبر سلسلة طويلة من المجازر البشعة بحق سكان فلسطين، وتدمير شامل لعدد كبير من المدن والقرى الفلسطينية وإحلال مستوطنين أجانب للإقامة في بيوتهم والاستيلاء على أراضيهم، وبتحرك خجل من المجتمع الدولي آنذاك؛ صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار "194" والذي ينص صراحة على ضرورة العمل على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم وأراضيهم ...
هذا القرار الذي جاء ليؤكد لا لينشئ ما بات يعرف "بحق العودة".
ورغم كل المحاولات لشطب هذا الحق من خلال مشاريع سياسية تصفوية، ورغم السعي إلى توطين الشعب الفلسطيني ودمجه في مجتمعات اللجوء من خلال محاولة حصر قضيته في نطاق المساعدات الإنسانية عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وذلك لتجريد القضية الوطنية الفلسطينية من كل بعد وطني وسياسي، إلا أن الشعب الفلسطيني تصدى لكافة المشاريع وأبقى قضية "حق العودة" محركاً للمشاعر الوطنية ومحفزة للأحرار الفلسطينيين للانخراط في حركة التحرير، وقدم شعبنا آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والأسرى، وبقيت فلسطين قبلة الفلسطينيين جغرافياً وسياسياً رغم تعاقب الأجيال والبعد عن الوطن.
وقد شكلت المخيمات كشاهد حي على بشاعة المؤامرة وقسوتها دليلا ً حياً على حق اللاجئين في العودة، فيما حمل لواء العودة كل لاجئ ومهجّر أياً كان مكان إقامته وأياً كان وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي مما أسس لثقافة العودة وحال دون الإجهاز على الحق التاريخي للفلسطينيين في أرض فلسطين.
وعلى مدى تاريخ الصراع طرحت حركة التحرير الوطني الفلسطيني، وبمجمل فصائلها ومنطلقاتها السياسية، تحرير فلسطين والعودة ككل متكامل لحرية واستقلال وانعتاق الشعب الفلسطينى وبقي حلم العودة إلى فلسطين الرافد والملهم لعملية التعبئة الوطنية فكرياً وسياسياً،
وجاءت اتفاقية أوسلو لتطرح تصور ورؤيا لحل الصراع على أساس دولتين معطية بذلك اعترافاً صريحاً لاسرائيل بحقها في الإقامة والعيش في الجزء الأكبر من أراضي فلسطين التاريخية، وعلى حساب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، متجاوزة بذلك أهم الثوابت الوطنية والحقوق السياسية الأساسية مما دفع إلى تحرك عملي في أوساط اللاجئين، وكان تأسيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين استجابة شرطية لحالة التجاهل، ومن ثم توالت حركات الدفاع عن حق العودة، والتي توجت بتشكيل الائتلاف الفلسطيني لحق العودة كمبادرة خلاقة تهدف إلى تنظيم وضبط إيقاع حركة اللاجئين والوطنيين الفلسطينيين وتوحيد جهودهم وخطابهم في الوطن والمنفى
وتبقى العودة هى الضامن الحقيقى وصمام الامان للشعب الفلسطينى الحر المتمسك بقيمه ومبادئه والعيش على أرضه بكل شرف وكبرياء
محمد الامين الطالب الجيد
مدير الاعلام فى اتحاد الاكادميين والمثقفين الموريتانى