قوة اللغة !!
قوة اللغة من قوة الشعب، منذ فجر الحضارة، وأنى عدنا الى التاريخ، الغابر، فإننا سنجد، أن الأمم التي توارثت الحضارات، إبداعاتها، كانت لغتها، تنتقل لا إراديا، بفعل الإحتكاك، والتمدد، والتبادل مع قوى أخرى، تنافسها، أو تخضع لنفوذها...
ولما أفل نجم، تلك الحضارات، مع حركة التاريخ، وسقوط الإمبراطوريات توالياً،حتى عصر الأنوار، فإن لغات العالم، ظلت تواصل، الصعود والهبوط حسب قوة الشعوب، فهل كان للعربية من قوة تذكر قبل الإسلام؟ وهل كان العرب، كيانا واحدا ليهيمن، ويبسط نفوذه شرقا وغربا وفي كل الأتجاهات؟
هونوا عليكم، قوة اللغة، من قوة الشعب.
وبعبارة أكثر دقة، فإن الأمة العربية، حوت كل الآليات التي تمكن من قوة اللغة العربية، ولكن العرب جمعنوا، كل المعوقات التي أدت الى تراجع دولية اللغة العربية.
بدأ التأريخ لقوة اللغة العربية، مع نزول الوحي، و ميلاد الدولة الإسلامية الطاهرة على يد رسول الله صل الله عليه وسلم من يوم غزوة بدر.
ظلت اللغة، تتقوى رويدا رويدا، مع تزايد معتنقي الإسلام من العجم، من جهة، ومن جهة أخرى، مع توسع الفتوحات الإسلامية، التي بلغت أوجهها في عصر الخلافة،الراشدية، و الأمويين والعباسيين.
تمازج الشعوب الإسلامية، خلق قوة خارقة، للغة العربية، تنضاف الى معجزة " الوحي " ،وبطبيعة الحال عنفوان اللغة، وجمالياتها، لم يكن وليد صدفة، بل لا بد له من دعامة أساسية، هي نعمة، الإستقرار،ومع الإستقرار، والعدالة، تكمن القوة والإبداع معاً،وعليه فإن علاقة التبادل، والإطلاع على كنه اللغة، والتبحر في علوم الكون، اكتشفه عجم، استعذبوا اللغة العربية، وغاصوا في فنونها، فأكتشفوا مالم يكن معلوما، واطلعوا على ماكان مجهولاً، من بلاغة، ونحو، وشعر، ثم ولوا ملكاتهم صوب الطب و علوم البحار والخرائط والقصص والترجمة وعلم الفلك والرياضيات ليختتم عباس بن فرناس رحلة الشموخ والتمدد في الأندلس غربا عندها بدأ الإنحطاط الى يومنا هذا.
ومع أن الحضارة أخذ وعطاء وإبداع وتمدد، كانت اللغة، تتماهى، في القوة والضعف مع وضعية الشعوب،فاللغة اليونانية القديمة لم تكن هي لغة العلم اليوم في أوروبا، و عراقة الهند، و أقدمية مصر، لم تشفع للهروغليفية، أن يكون لها مكانة في زماننا هذا ،ولكن،للغة الصينية نفوذ، في عالم الثورة الرقمية، و السبب هو طبعاً،قوة المارد الصيني إقتصادياً ودفاعياً وعلمياً،وكماًّو كيفاً،أما اللغة الإنجليزية فإنها الأولى عالمياً،فهي لغة التواصل و لغة التكنولوجيا، ولغة السوق الدولية، والسبب قوة الإنجليز في شرق الكرة الأرضية، وقوة أمريكا في غربها ،بينما أصبحت اللغة الفرنسية المنافسة تعاني من تخلي الشعوب الفرانكفونية عنها الواحدة، تلو الأخرى، الغابون، ورواندا، ودول أخرى في طريقها الى الإلتحاق بركب الكومنلويث .
تبقى الإشكالية مطروحة، في بلدان فقدت كل متطلبات القوة، بفعل الشتات والتخلف والتطاحن والإقصاء، فكيف بها أن تقوى ،أو تقوى لغتها،وكيف بها أن تقوى، لغتها، وساستها متعلمون في مدارس أجنبية، وأبناءهم كذلك، ليضمنوا لهم البقاء في عالم التمكن والتمكين؟؟؟
ليس تعلم اللغة للتسلية الفكرية، والإرتباط بالوجدان القومي، فحسب، بل اللغة، هي، مرآة عاكسة، للهوية والكينونة، ومن أجل المحافظة عليها، يجب أن نعد لها العدة، بالأدوات التي تفرض التنافس والبقاء على مر التاريخ.
محمد ولد سيدي