ـ توجد حِكْمة جيوسياسية تقول: “حيثما وُجِدت واحات النخيل، وُجِد اليهود”. إنها حقيقة مثبتة تاريخيا على أغلب الحالات.
2 ـ طوال التاريخ الحديث، لم تفعل دولة مثلما فعلت موريتانيا، ردت على هدم الجرافات الإسرائيلية لمنازل الفلسطينيين بتجريف السفارة الإسرائيلية في نواكشوط. كان أيضا الرئيس الموريتاني السابق محمد عبد العزيز قد تحدث عن كواليس قطعه للعلاقات مع إسرائيل عندما ذكر أن بعض الدول (قَطَر…) أشارت عليه بأن يكتفي بتجميد العلاقات بدل قطعها. جريدة ساخرة محلية ذهبت في منحاها الفلسفي التهكمي (توجد علاقة ترابط قوية بين التهكم والفلسفة طيلة التاريخ الفلسفي) عندما قامت بتخصيص إحدى صفحاتها لوزن فعل (جمد، گرس (بالحسانية)، برد…).
3ـ عندما اجتمع “بلفور” مع صهاينة العالم لاختيار مكانٍ للهجرة اليهودية، طُرِح أمامهم خيارات رئيسيان: إما فلسطين وإما المغرب. هناك شواهد أركيولوجية كثيرة (وثائق مكتوبة، عُمُلات، معدّات…) تخبرنا عن وجود اليهود تاريخيا في صحراء شمال افريقيا.
4ـ نذكر من بعض الدول التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل (سرا، علانية): الأردن، مصر، الإمارات، قطر، البحرين، السعودية، السودان، المغرب…
لنأخذ مقياسا سريعا من وجهين، وجه بعد مسافة عاصمة الدولة المطبِّعة (الكلم) عن القدس، ثم نأخذ بعد ذلك وجه حضور الجاليات اليهودية في الدول المطبعة:
حسب الوجه الأول سيكون الترتيب هو: عَمَّان (72)، القاهرة (425)، الرياض (1373)، المنامة (1617)، الدوحة (1748)، السودان (1825)، أبو ظبي (2585)، المغرب (3910).
أما المقياس الثاني (حضور اليهود بالأفراد) فيعطي الترتيب التالي: المغرب (2500)، الإمارات (1000)، مصر (100)، البحرين (36)، السودان (0)، قطر (0)، السعودية (0).
يخبرنا المقياسان السابقان ب:
ـ الذين يعيبون على المغرب التطبيع مع إسرائيل، فالمغرب أولى بالتطبيع من الإمارات وقطر، حسب حضور الجاليات اليهودية (وتأثير اليهود في اقتصاد الدولة).
ـ الذين يعيبون على الإمارات وقطر العلاقات مع إسرائيل فهاتان الدولتان أَوْلى بالعلاقات مع إسرائيل من المغرب، إذا أخنا بِبُعد المسافة.
5ـ تاريخيا لقد كان المغرب من أوائل الدولة المطبعة واقعيا مع إسرائيل منذ اختطاف المهدي بن بركة من فرنسا وإحضاره إلى المغرب في زمن الملك الحسن الثاني، نفس الشيء حدث مع موريتانيا في زمن معاوية ولد الطايع عندما هَرَّب الموساد الإسرائيلي ضابطا موريتانيا من فرنسا، ثم كانت العلاقات بين موريتانيا وإسرائيل لذلك السبب.
كان أيضا تطبيع قطر واقعيا منذ التسعينات وتطبيع الإمارات منذ مطلع الألفية.
6ـ إن تغير خريطة الفكر وزاوية النظر السياسية كفيل بأن يجعل المتراشقين بالاتهامات التطبيعية يكف بعضهم عن بعض في التأنيب. لذلك فالمهم ليس مبررات التطبيع، فلن يعدم أي شخص إيجاد مبرر لفعلته، والأمر أطم مع الدول (الخليجية خصوصا) التي تكتتب لتمرير سياساتها المجندين الذين تغريهم بالأموال حيث يصبحون أبواقا وحيدة الاتجاه، أو لنقل “كلاب حراسة” على حد تعبير الفيلسوف “بول نيزان”
خِتاما: الاتهام بأن الآخرين “عملاء”، الذي يمارسه العلماء الموريتانيون في الخارج تجاه بعضهم البعض (هناك فرق كبير بين العلماء والعملاء. أحرف الكلمتين هي نفسها، الاختلاف هو فقط في الترتيب) في الإمارات وقطر بصفة خاصة، يجعل الشخص البسيط من أمثالي ينظر إلى المتراشقين على أنهم، في أحسن أحوالهم، غير منصفين، فكل ما يسعون إليه هو القذف اللاذع لخصومهم دون أن يذكروا لهم حسنة، غير مكترثين بقوله تعالى «ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا»، ودون أن يتذكروا مقولة فيلسوف التسامح جون لوك “ليس لأي كان أن يفرض على آخر ما يجب عليه أن يؤمن به أو أن يفعله”.
كتب : احمد سالم عابدين