السائبة حالة مجتمعية قلقة، سادت معظم تاريخ المجتمع الموريتاني، في منتبذه القصي؛ طابعها الخوف والوجل والمظالم، في غياب سلطة الدولة، وضبابية المرجعية، وعموم حالة الفقر والعوز؛ قانونها العيش بلا قانون، وناظمها الفوضى في كل شيء؛ وتتلبس المسؤولية عنها الجميع، بمختلف طبقاته وفئاته.
غابت حالة السائبة، بتفاصيلها الاليمة، لكن روحها استمرت بيننا، فهي التي ولد فيها وشب وشاخ ومات آباؤنا وأجدادنا، لأجيال، وآماد متطاولة؛ ثم ادركها شيوخ الحاضر، بمعظم تفاصيلها، فكانت منبت قيمهم ومثلهم، ومرجعية دينهم، وانموذج فتوتهم؛ ثم شكلت عمق ثقافة ومثل وانتماء من خلفهم من أجيال، وإن لم يدركوها، فأورثوها من خلفهم من اطفال اليوم وغلمانه، هوية، وخلفية، وثقافة؛ فهم عليها عاكفون، ولها راكعون ساجدون؛
إنها تسكنهم، وتوجههم القهقرى، عكس مسارات العالم نحو غاياته، وتسير بهم أوهامها وأحلام يقظتها إلى هاوية الحاضر والمستقبل؛ فمن يخلص مجتمعنا المسكين من إرث السائبة وروحها، ويخفف عن أجياله اللاحقة أوزارها وأثقالها؟!