السلام عليكم
حراطين الإسلام
استمدت العربية الحسانية، مفردة حرطاني، والحمع حراطين، من اللفظ الأمازيغي"أحرضان" والذي يفيد المعنى نفسه؛ وهو كل محرر من اسار العبودية، وكل من كان ذرية لعبيد سابقين استعادوا حريتهم؛ ولقد سمي القرآن هؤلاء موالي وإخوانا في الدين، ومنحهم عضوية كاملة في الأسرة، برباط كالنسب، خولهم ولاية النكاح، في غيبة الأولى، فرعا، أو أصلا، أو صنوا ؛
لكن الأمد طال بالأمة، وعمتها الفتن، وتناءت أطرافها، وتفرقت نحلا وطوائف ومذاهب، وسادت في اقاصيها تقاليد بدائية بدوية تراتبية، تعلي شأن القبيلة والعنصر، وتعيش على سخرة العبودية، دون النظر إلى أصلها أو شرعيتها؛ ويكون الفكاك منها نادرا، وهو إما عتقا لوجه الله، او كفارة، او مكاتبة، لكن التقاليد تقف بالحرطاني الجديد في منزلة بين الحرية والعبودية.
هذا الواقع المختل، يبدو مخالفة صريحة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الموالي والإخوان في الدين، ولما ارساه القرآن والسنة القولية والعملية، من معايير عدل وموازين قسط، تمنح بطاقة العضوية الكاملة في مجتمع الأسياد، لكل من اجتاز عتبة العبودية، فتحقق له النقلة النفسية والاجتماعية التي تؤهله لحجز مكانة طبيعية مرموقة في مجتمع الاحرار؛
من يعد قراءة السير الذاتية لحراطين الاسلام العظام كبلال بن رباح، وزيد بن حارثة، وسالم مولى أبي حذيفة وسلمان الفارسي؛ وأمثالهم من العناوين البارزة، في الصدر الأول، يدرك الأبعاد الكاملة للنقلة الشاسعة التي رفعت إليها رسالة الإسلام الخالدة، ضحايا العبودية الجاهلية، وكيف شكل أولئك الضحايا على عين النبي صلى الله عليه وسلم، وبأمر منه، خيوطا أصلية في نسيج مجتمع المهاجرين والأنصار،.
دعونا نستعرض- سريعا- ومضات خاطفة من تلك السير العطرة لكبار الصخابة من حراطين الإسلام:
*- هذا سيدنا بلال الحبشي ابن رباح رضي الله عنه، كان عبدا يملكه أمية بن خلف، أحد سادة مكة الكائدين لدعوة الإسلام، بيد أن الإيمان تسرب إلى نفس بلال، فملأ شغاف قلبه، فكان من السابقين؛ فجلبه أمية إلى منصة اقامها الملأ لتعذيب المستضعفين من المؤمنين، فكان يقابل صنوف العذاب بنشيد التوحيد الخالد الذي سبق إليه؛ أحد.. أحد؛ إلى ان استنقذه أبوبكر، فاشتراه وأعتقه؛ وقد قربه النبي صلى الله عليه وسلم، واختاره بعد الهجرة ليكون أول مؤذن للصلاة، في الإسلام، ثم زوجه من سيدة قرشية من بني زهرة أخوال النبي الكريم، هي هالة بنت عوف، اخت عبد الرحمن بن عوف.
رضي الله عن سيدنا بلال بن رباح، إلى يوم الدين.!
*- وهذا سيدنا زيد بن حارثة الكلبي، رضى الله عنه، كان فتى عربيا، اختطفه اللصوص واسترقوه، ثم باعوه عبدا في مكة، فاشترته امنا خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، ثم وهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فاعتقه وتبناه، فكان يدعى زيد بن محمد، إلى أن ابطل الله التبني، فانتسب لابيه، كان من السابقين الاولين، ولقب "حب محمد"، زوجه النبي صلى الله عليه وسلم ابنة عمه درة بنت أبي لهب، ثم أم كلثوم بنت عقبة، ثم ابنة عمته زينب بنت جحش، والتي زوجها الله نبيه، بعد زيد، فباتت أمنا ام المؤمنين زينب، وقد اعلى الله ذكر زيد، فكان الوحيد من الصحابة يذكر اسمه الصريح في القرآن؛ وكان قائدا شجاعا استشهد وهو يقود المسلمين في معركة موتة، باطراف الشام، وقد عقد النبي صلى الله عليه وسلم لابنه اسامة لواء جيش يضم أبا بكر وعمر وعثمان وعليا.
رضي الله عن سيدنا زيد بن حارثة إلى يوم الدين..
*- وهذا سيدنا سالم بن معقل، مولى أبي حذيفة ابن عتبة، كان عبدا فارسيا، لثبيتة بنت يعار الأوسية، فأعتقته فوالى زوجها أبا حذيفة بن عتبة الذي تبنّاه، وزوّجه ابنة أخيه فاطمة بنت الوليد بن عتبة بن ربيعة، هو من السابقين، في مكة، و هاجر إلى المدينة المنورة مبكرا، فكان يؤم المسلمين في قباء، قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ وشهد المشاهد كلها معه، وكان قارئا متميزا للقرآن؛ انخرط في حرب الرد أيام أبي بكر، حيث سقط شهيدا مع مولاه أبي حذيفة في معركة اليمامة، وهما يدافعان عن لواء المهاجرين..تمنى عمر بن الخطاب عند موته، ان يكون سالم حيا، ليوليه خليفة على الناس، من بعده.
رضي الله عن مولانا سالم بن معقل، إلى يوم الدين؛
*- وهذا سيدنا سلمان الفارسي رضي الله عنه، ولد في فارس، وكان ابوه سادن النار للمجوس. كفر بالنار وابغض عبادها، وغادر بلاده بحثا عن الحقيفة، فانتقل بين البلدان، وصحب بعض الصالحين من القساوسة، وعلم بقرب ظهور اانبي، وتعلم بعض علاماته. وقع في الاسر والغدر، فبيع عبدا، وتداوله الملاك من يهود يثرب، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا، عرفه بعلاماته، فاسلم، ثم كاتب مالكه على الحرية بزراعة واد من النخيل، أعانه عليه النبي وأصحابه.كان سابق الفرس، وابن الإسلام، قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:"سلمان منا أهل البيت" أشار بحفر الخندق لحماية المدينة في غزوة الاحزاب، وشهد مشاهد النبي بعدها، كما شهد فتح فارس، وولاه عمر بن الخطاب إمارة المدائن بالعراق.
رضي الله عن سيدنا سلمان الفارسي إلى يوم الدين؛
وكما طلعت في سماء الإسلام تلك النجوم الدرية، من ضحايا الاستعباد، عرف المسلمون الأوائل أئمة كبارا سباقين إلى الخير، من أولئك الضحايا الذين انقذتهم دعوة الإسلام، فقد ساد الموالي(لحراطين) أغلب المنابر وصدور المجالس العلمية في عصر التابعين وتابعيهم؛ فكانوا هم من وضع اللبنات الاولى للمذاهب الفقهية، ولمناهج التفسير، ولجمع الحديث وتنقيته، وللجدال العقائدي بالتي هي احسن؛ إقرأوا من أسمائهم، إن شئتم، سالم مولى عبد الله بن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وطاوس بن كيسان، ويزيد بن أبي حبيب، ومكحول، وميمون بن مهران، والضحاك بن مزاحم، والحسن بن أبي الحسن، وغيرهم كثير؛ رضي الله عنهم جميعا وارضاهم. إلى يوم الدين، فبمثلهم تزكو الحياة، ومن سار على دربهم وصل.. وصل.