السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يطيب لي أن أطلع قرائي وزملائي و الرأي العام على تفاصيل ما اكتنف الحالة التاسعة ـ التي شهدتها بلادنا ـ من الإصابة بكوفيد19 ، من تحامل وتشهير بشخصى، وقبل سرد التفاصيل، أعزّي أسرة الفقيد في مُصابهم وأسأل الله العلي القدير أن يدخل الفقيد فسيح جناته وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان. كما أتمنى الشفاء العاجل لجميع المصابين بهذا الوباء.وإليكم تفاصيل ما جرى بدقة وصدق:
أولاـ مسار المريض قبل أن أعاينه:
وصل المريض إلى المركز الوطني لأمراض القلب والشرايين يوم الثلاثاء 12/5/2020 الساعة الرابعة وثلاثة وأربعين دقيقة صباحا (ووقت الوصول مسجل بكاميرات المراقبة) واستُقبل من لدن عمال الاستقبال لحظة وصوله،ثم نقل إلى قاعة العلاجات الأولية المخصصة للحالات الحرجة ووُضع المريض في الظروف الملائمة من قِبَلِ فريق التمريض، وبعد خمس دقائق عاينه طبيب المداومة، وأمر ببدء إجراءات العزل ، ولم أكن وقتها مداوما ولا صلة مباشرة لي بالمريض ، وهذا الوقت هو الوقت الذي قالت فيه الأخت ابنة المريض أني وجّهت فيه لها ولأبيها عبارات سبّ وشتم، وكيف أوجه لها عبارات سبّ وشتم وأنا غائب ولم أعاين المريض ولم يربطني أي تواصل مع ذويه؟
ثانيا ـ معاينتي للمريض وما جرى فيها:
اتصل بي الطبيب المداوم صبيحة الثلاثاء الساعة الثامنة والنصف، وأطلعني على وضع الحالات الموجودة لديه، وبعد نقاش الحالات من لدن فريق طبي يضم اختصاصي الأشعة، والأطباء المختصين والجهات الإدارية المعنية تقّرر أخذ عيّنات للفحص من المرضى وإرسالها بعد تأمينها إلى المختبر الوطني على تمام الساعة العاشرة صباحا.
وقد كان المرحوم أحد ثلاثة مرضى معزولين بشكل انفرادي ويتلقون العلاجات المناسبة تحت إشراف الفريق الطبي الموجود في الحالات المستعجلة، علاوة على وجود ممرض بشكل دائم مع المرضى المعزولين، كما أن فريقا طبيا مكونا من طبيبين مداومين وممرضين يزورهم من حين لآخر.وكان دوري أنا في هذه المرحلة هو التأكد من أن الفريق الطبي يؤدي عمله كما ينبغي وأنه يلتزم بشروط الحماية الشخصية (EPI ).وكنت أنتظر صدور نتائج التحليل، ولم أَلْتَقِ بأي فرد من أفراد عائلات المرضى خلال فترة وجودي في المركز الوطني لأمراض القلب والشرايين الممتدة بين الثامنة والنصف صباحا والسادسة وست دقائق مساء؛ فكيف ـ بالله عليكم ـ أوجه إساءة أوشتيمة لشخص لم أَلْتَقِ به؟
ثالثا ـ تأكيد إصابة المرحوم بكوفيد19.:
تلقيت اتصالا من الجهات الإدارية يؤكد إصابة المرحوم بكوفيد19،ويطلب إعداد تقريرمستعجل عن المصاب: ( تاريخ ظهور الأعراض،مكان العمل، المؤسسات الاستشفائية التي زار.....) وهو أمر يتطلّب الاستعلام من ذويه ، ووقتئذ اتصلت الحالات المستعجلة بابنة المعني ، وقد كانت خارج المستشفى وقدمت إلي في الزي الطبي، فهي طالبة في كلية الطب بجامعة انواكشوط العصرية، وعندما طرحت عليها الأسئلة التقليدية في هذه الحالات مثل: ( ما مكان عمل المريض؟ ـ متى ظهرت عليه الأعراض؟ ـ ما المستشفيات التي زار؟) بدت مرتبكة وغير قادة على الإجابة فكانت تواجه كل سؤال بسؤال: ( هل يوجد علاج لهذ الحالة؟ ـ هل الإصابة مؤكدة؟......) وعندئذ قلت لها أنّي أّتّفّهَّمُ وضعها النفسي وطلبت منها أن تُكَلِّفَ أحد أفراد أسرتها بالإجابة على الأسئلة فاستجابت على الفورـ وأشهد الله في العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم أني لم أوجه إليها ولا لأبيها أي إساءة أو سبّ أو شتيمة إطلاقا. إن حالة الأسى والحزن التي تظهر على ذوي المريض لَتُحطّم القلوب وتُمَزّق الأكباد ، فبالله عليكم كيف يصدر من مؤمن بالله سَبٌّ أو شتيمة في موقف كهذا؟
وبعد حضور الرجل الوقور الذي أنابته ابنة المريض عنها، شَرَعْتُ في طرح الأسئلة عليه انْهَمرت الدموع من عينيه فواسيته وصبّرته ، فقال أنا ابن عمه وسأربطك هاتفيا بابنه الطبيب ليجيبك على الأسئلة ، وقد أجابني ( الابن الطبيب) على الأسئلة ـ مشكورا ـ بدقة في وقت محدود.
وأثناء كتابة التقرير، وصل الفريق الطبي المعهود للتكفل بنقل الحالات المؤكدة إلى مركز العزل الخاص بكوفيد19 ،على تمام السعة السابعة مساء وعشرين دقيقة؛ وشرع الفريق في الإعدادات اللازمة لنقل المصاب بشكل آمن وارتداء البذلات الوقائية، ثم توجهنا إلى غرفة عزل المريض؛ وعندئذ تَلَقَّانا ابن المريض المصاب بكوفيد19 بِاتِّهَامِنَا بِالتَّقْصِيرِوالإهمال وتَوَعَّدَنأ بِالتَّشْهِير بناِ وتأليب الرأي العام ضدّنا في وسائل التواصل الاجتماعي؛ فأجبته قائلا: إننا تكفلنا بعلاج المريض منذ لحظة وصوله للمركز، ولم ندّخر أي جهد في ذلك.وبعد أن أعاد التوعد بالتّشهيربنا قلت له: نحن نُرَاقِبُ الله عزّ وجلّ في عملنا وهو حسبنا، ولا نُراقبُ فيسبوك ولا غيره من مواقع التواصل، ولم تستغرق هذه المحادثة ثلاثين ثانية. ولو أن ما كتبته الأخت في تدوينتها كان صدر عن هذا الشخص الذي جرى بيني وبينه الحديث الذي أوردت آنفا بالحرف الواحد لكان الأمر ـ رغم ما فيه من افتراء ـ قابلا للافتراض النظري بحصول ما لم يحصل.
وبعد معاينة الفريق الطبي المنتدب من لدن وزارة الصحة تقرّر التريّثُ في نقل المصاب لأن حالته الصحية لا تسمح بنقله، وشرع الفريق الطبي في تعزيز وسائل الإنعاش، وبعد ساعة زمانية أسلم المرحوم روحه الزكية إلى باريهاـ نسأل الله عزّوجلّ أن يُنْزِلَ عليه شآبيب رحمته وأن يسكنه فسيح جنّاته، وأن يلهم ذويه الصبر والسلوان . أنا لله وإليه راجعون.
ويعلم الله أننا لم ندّخر جهدا لا في إسعافه ، ولا في تجهيزه وتأمين جثمانه ونقله إلى بيت الرحمة، وبعد إنهاء الإجراءات خرجت رفقة الفريق الطبي لإشعار ذويه وتقديم واجب العزاء فلم نجد منهم أحدا.
وفي الختام أقول للأخت ابنة المرحوم ـ كان الله في عونها وأجارها في مُصابها ـ أنّي أّتّفّهَّمُ وضعها النفسي وأُحْسِنُ الظّنَّ بها، وأَحْسَبُ أنّ ما صدر منها في تدوينتها إِنّما كان بِسَبَبِ هَوْلِ الصّدْمَةِ.
وأشكر الإخوة والأصدقاء الذين تعاطفوا معي ـ جزاهم الله خيرا ـ وأقول لأولئك الذين شَهَّرُوا بي تعاطفا ما نشرته الأخت في لحظة الْتِيَاعٍ : كَانَ حَرِيًّا بِكُمْ ـ عَفَا اللهُ عَنْكُمْ ـ أَنْ تَتَرَيَّثُوا حَتّى لا تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ..
الدكتور عبد العزيز الغزالي .