الفساد آفة المجتمعات، وحجر العثرة أمام خطط التنمية والنهضة الاقتصادية لأى بلد، ويتناسب عكسيا مع تقدم الدول، فكلما زاد الفساد فى دولة ما كلما تأخرت هذه الدولة عن ركب التقدم والحضارة
كثير من الدول المتقدمة، فطنت إلى أن جريمة الفساد هى الآفة الكبرى، وهى الأداة الأساسية لتخريب اقتصاد أى بلد، والعدو للتقدم والتنمية والنهضة ولذا غلظت عقوبة الفساد فى قوانينها، ووصلت إلى حد تنفيذ حكم الإعدام فى الفاسدين، وهو القانون الذى تطبقه دولة مثل الصين، منذ زمن، وترفض تماما أن تلغى هذا القانون، رغم مطالبة البعض بذلك، حيث أكد تشن سى شى، عضو اللجنة الدائمة للمجلس الوطنى لنواب الشعب الصينى ونائب رئيس لجنة الشئون القضائية والداخلية بالمجلس فى تصريحات سابقة إن الهيئة التشريعية العليا فى الصين لا تفكر مطلقا فى الغاء عقوبة الإعدام على من يدان فى جرائم الفساد، لأنهم يجب أن يخضعوا لعقوبات صارمة، مؤكداَ أن الجرائم المرتبطة بالفساد تضر بشكل خطير بمصالح البلاد والشعب
واذا نظرنا الى التقارير الدولية الصادرة عن المؤسسات التي تقيس مستويات الفساد في مختلف دول العالم, نجد مثلا في تقرير شيربا الدولية الذي تناول ملف الفساد في موريتانيا. ان المؤسسة قامت بمراسلة جميع الهيئات الدولية المانحة لإطلاعها على حجم الفساد في موريتانيا, كما أعدت هذا التقرير باللغتين, الإنجليزية و الفرنسية
فقرات من التقرير:
في نيسان / أبريل 2013، كتبت مؤسسة شيربا هذا التقرير وأرسلته إلى عدد من المانحين الدوليين لموريتانيا لزيادة وعيهم بحالة الفساد التي سادت هناك. وقد جرت في بعض الأحيان مناقشات بين شيربا وهذه الجهات المؤسسية المانحة لمعالجة المشاكل الخطيرة المتمثلة في سوء التسيير.
وبعد أربع سنوات، قامت شيربا بتحديث هذا التقرير بملاحظة واحدة: الوضع قد ازداد خطورة ، وازداد النهب حتى مع مرور البلاد بفترة صعبة منذ انخفاض أسعار خام الحديد. وما زالت المجموعة ذاتها تواصل سرقة الموارد العامة.
ومع تزايد عدد الشراكات بين القطاعين العام والخاص، لا سيما مع الشركات الأجنبية، تتكاثر صفقات الفساد الوهمية، وتؤدي الرشاوى والفساد وتبخر الموارد إلى وأد أي احتمال حقيقي للتنمية الاجتماعية أو تحسين مناخ الأعمال. وتتبع موريتانيا حاليا مسارا مقلقا للغاية مع انخفاض حاد في سيادة القانون.
والتمويل الذي منحته الجهات المؤسسية المانحة لموريتانيا (أكثر من 4.5 مليار دولار إلى غاية عام 2016 ) لم يشكل سوى عامل تفاقم بسبب نهبها بمعدل مرتفع، و المساعدات الدولية لموريتانيا لم تساهم سوى في زيادة مخاطر الفساد.
إن موريتانيا، مع إمكاناتها المادية الرائعة، هي أرض مثالية للأسف لجميع الفاسدين ذوي ربطات العنق البيضاء والمجرمين الآخرين الذين يمكنهم التمتع فيها بإفلات تام من العقاب على الجرائم المالية
موريتانيا و لعنة متلازمة الموارد
تملك موريتانيا موارد طبيعية كبيرة. ومع إنتاج 13 مليون طن من خام الحديد في عام 2013، تعد ثاني أكبر منتج في القارة الأفريقية . كما أن ترابها غني بالذهب والنحاس والهيدروكربونات وفيما عدا الموارد الاستخراجية، لدى موريتانيا أيضا إمكانيات صيد كبيرة نظرا لساحلها البالغ طوله 720 كيلومترا، والمنطقة الاقتصادية الخالصة التي تغطي مساحة قدرها 234000 كم مربع، وتشتهر بأنها واحدة من أغنى دول العالم بما يفوق من موارد احتياجات البلاد
وشهدت موريتانيا على وجه الخصوص بفضل نمو و تطوير صناعة التعدين فيها نموا قويا في الاستثمارات الأجنبية في السنوات الأخيرة: ففي عام 2014، أدرجت 83 شركة تعدين و 13 رخصة تعدين في سجلات التعدين والنفط، بزيادة 17 شركة على العام 2010.
وقد مكن ارتفاع أسعار المواد الخام، وخاصة خام الحديد موريتانيا من التغلب على أثر الأزمة الاقتصادية العالمية والجفاف الذي شهدته البلاد في عام 2011 ومكن في 2012 من صعود معدل النمو إلى 5.8٪. وفي حين ظل هذا المعدل ثابتا في عامي 2013 و 2014 بنسبة 6،4٪ و 6،6٪ على التوالي، فقد انخفض إلى 1،9٪ في عام 2015 نتيجة لانخفاض أسعار المعادن العالمية والتباطؤ في أسعار المعادن و البناء و قطاع صيد الأسماك. بيد أن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن النمو ينبغي أن ينتعش إلى 4.1 في المائة في عام 2016 .
وعلى الرغم من هذه الإمكانيات الاقتصادية القوية وعدد سكانها الصغير البالغ 4 ملايين نسمة، ما زالت موريتانيا اليوم من بين ما يسمى بالبلدان النامية “الأقل نموا” ، وبالتالي فهي تستفيد من آلية تخفيف عبئ الدين لصالحها ووفقا للتقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تحتل موريتانيا المرتبة 156 من بين 188 بلدا جرى تحليلها في مؤشر التنمية البشرية و بحسب هذا التقرير نفسه فإن :
55.6٪ من الموريتانيين يتعرضون للفقر و 29.9٪ للفقر المدقع و 23.4٪ من السكان يعيشون على أقل من 1.25 دولار أمريكي يوميا؛
ولا يتجاوز العمر المتوقع عند الولادة 63 سنة؛
و 45.55٪ فقط من البالغين هم من المتعلمين.
وقد دفعت جميع هذه العوامل البنك الدولي، في تقرير صدر في تموز / يوليه 2014، إلى ملاحظة أن الأهداف الإنمائية للألفية لن تتحقق ( سلمولي علي رؤية 2030 للوزير ولد انجاي ) ، ولا سيما فيما يتعلق بصحة الأم والطفل والحصول على مياه الشرب الصالحة وخدمات الصرف الصحي و مكافحة الفقر المدقع, وبالتالي لم تنجوا موريتانيا من متلازمة لعنة الموارد وتسمى أيضا “مفارقة الوفرة” التي تفترض أن النهب مع وجود وفرة الثروة الطبيعية يزيد بشكل متناقض الفقر وعدم المساواة.
ويرى العديد من المراقبين أن هذا التباين بين النمو السريع للاقتصاد الموريتاني والوضع الدائم للفقر المدقع يرجع إلى حد كبير إلى الفساد الذي يصيب المجال العام ويؤدي إلى تدهور مناخ الأعمال.
ويرى صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير عن مشاورة المادة الرابعة لعام 2016 أن موريتانيا “تحتل مكانا مخيبا للآمال في مؤشرات الفساد”. وموريتانيا هي دائما من بين الأسوأ. في الترتيب الذي تصدره سنويا المنظمة الألمانية للشفافية الدولية من حيث تصور الفساد: فمعيار الفساد يضعها في المرتبة 142 على لائحة 176 بلدا.
ويعتبر الفساد المستشري في موريتانيا عقبة رئيسية أمام العمل. وفي التقرير الأخير عن التنافسية العالمية، يصنف المنتدى الاقتصادي العالمي موريتانيا 137 من بين 138 بلدا وفي عام 2015، خسرت موريتانيا مكانين في تصنيف “مو إبراهيم للمؤشرات” لتصل إلى المرتبة 41 من أصل 54 بلدا, وفي ورقة الاستراتيجية للفترة 2016..2020 لموريتانيا، يكتب مصرف التنمية الأفريقي
وقد شهدت خلال العشرية الأخيرة فسادا كبيرا تجلى في كثير من الصفقات من أبرزها
عقد بناء مطار نواكشوط الجديد حيث تم منح الصفقة بالتراضي النجاح للأشغال الكبرى
بناء محطة نواكشوط للطاقة
في أكتوبر 2012، أطلقت شركة الكهرباء الموريتانية (صمولك) مناقصة دولية لبناء محطة توليد الكهرباء في نواكشوط بعد تلقي موريتانيا التمويل من البنك الإسلامي للتنمية
مشروع أمل 2012″
“أمل 2012” هو برنامج بميزانية قدرها 45 مليار أوقية (حوالي 120 مليون يورو) و الذي أطلقته الحكومة الموريتانية لمساعدة الموريتانيين في مواجهة تأخر هطول الأمطار ويواجه هذا البرنامج أيضا اتهامات بعمليات فساد كبيرة.
وبالنظر الى الحجم الكبير الذي وصل إليه الفساد خلال العشرية الأخيرة فقد خسرت موريتانيا فرصة ثمينة للإستفادة من الموارد التي حصلت عليها في هذه الفترة وهو ما دفع السلطات التشريعية في البلد الى التحقيق فيها حيث فتحت تحقيقا في صفقات اعتبرتها أولوية منها صندوق العائدات النفطية وعقارات الدولة التي تم بيعها في انواكشوط ونشاطات شركة بولي هوندغ دونغ وتسيير هيئة اسنيم الخيرية وصفقة الإنارة العامة بالطاقة الشمسية وصفقة تشغيل رصيف الحاويات بميناء الصداقة المستقل وتصفية شركة سونمكس
فهل سيكون البرلمان جادا هذه المرة ويصدر تقريرا شفافا تتم محاسبة من يثبت تورطهم في ملفات الفساد أم أننا أمام مسرحية سرعان ما تنتهي بدون نتائج...؟؟؟