الحركات العنصرية كالحركات المتطرفة ، مشكاتها واحدة ، وأهدافها ضيقة ، لا يمكنها الظهور في عالم يزداد تقاربا وتداخلا مع تطور التكنولوجيا ، وهيمنة الدولة الرقمية وعبور التواصل والأفكار حدود الدول الوطنية العتيقة ، عبر البث ومن خلال الأقمار الصناعية ، لذالك فمن غير الوارد أن تنجح تجارب البشر المعتمدة علي العنصرية والتطرف الفكري والديني ، أما هيمنة الدول الأقوى اقتصاديا وعسكريا على العالم ، بشكل عنيف فإنها إن لم تهذب بقيم وأخلاق البشر السامية ، فستقوي وتبرر المطالبات العنصرية وتجذر التطرف ، خاصة لدى المجتمعات الهشة والضعيفة والمتخلفة ، التي استنزفت مقدراتها ، واستخدمت بإسراف كوقود رحلة تطور المجتمعات الغربية خاصة ، فتميز البشر عن مخلوقات الكون الأخرى يفرض حق تشارك أسباب السعادة والرفاه ولا ينبغي لمجتمعات بعينها أن تستأثر بانجازات العقل البشري دون غير ها، فالنوع واحد والغايات واحدة والمصير مشترك وعليه يجب أن تكون الاستفادة واحدة ومشروعة ولا تتطلب استخدام القوة ولا تبرير استخدامها فالجنس البشري يعجل بفنائه من خلال استمرار المواجهة وسفك الدماء لفرض الولاء ولإقصاء المخالفين فالبشر إذا بحاجة ماسة إلى تحديث رغبتهم في الاعتراف بالارتباط النوعي للجنس الذي يتحد في الشكل والنوع والمشاعر والطموح والآمال والذي يحتفظ بذاكرته وتفاصيلها في وعاء تاريخه المشترك والمترابط .
إننا كل ما عززنا نظرتنا الضيقة لإسعاد محيطنا المحدود دون ان نعتمد فتح الدائرة لأكبر كم من جنسنا ، نسقط في وحل الأنانية ودوائر التمييز المخل بمبدأ الشمولية المطلوب انتهاجه بين مختلف مكونات الجنس المؤتمن والمختار والمسيطر، مع أننا كلما برهنا على رقي أخلاقنا واحترام منظومتنا القيمية كلما فسرنا تفاوت حظوظنا في الاستفادة من انتصاراتنا على الطبيعة وعلى الحياة نفسها وأظهرنا بلطف ضرورة تقبل تفاضلنا في العطاء والأخذ انطلاقا من مبدأ البذل والاستعداد والجد في تلبية الحاجات الأساسية ثم الكمالية ثم الوصول بجدارة إلى السعادة والرفاه .
إن سيطرة الجشع وتشجيع الانحلال وتفشي الجهل واستخدام الدين لأغراض دنيوية فيئية ضيقة لا يختلف كثيرا عن الإغراء واستخدام القوة العسكرية والتكنولوجية لكسب أفضلية ظاهرها حق واستحقاق وباطنها ظلم وإقصاء وتهميش وتكريس للطبقية المفروضة بوسائل الاحتكار والمغالطات واستغلال واقع التخلف كذريعة ذاتية للتفاوت وتجذ ير التصنيف الطائفي والمجموعاتي ومنح دعاة العنصرية والتطرف ذريعة الاستمرار وتجنيد المزيد من الضحايا لبث الرعب وسفك دماء الأبرياء والحفاظ على مانع دائم من دخول دول المعانات أزمنة التفرق والإنعكاف على التطور وتعزيز التنمية وتحفيز الابتكار وتوفير مناخ ملائم للإنتاج والإزدهار فحق الولوج للرفاه والسعادة للجنس كله لا لمجموعة منه دون أخرى ومن واجب التكتلات الكبرى الدفع بالبرامج الخاصة والعامة في هذ الاتجاه وعلى الحكومات المشجعة والراعية للديمقراطية والحرية إن نجتهد وتجد في سبيل المساواة لا في الحرية فقط وإنما أيضا في الاستفادة من العلم والمعرفة ونتائجهما حتى لا تظل الشعوب الفقيرة تدفع ثمن انتمائها للجنس من دماء أبنائها وضياع أحلامهم وآمالهم .