محمد ول ابراهيم ول السيد الذي رحل عن دنيانا يوم أمس في حادث مروع كان أحد أوجه الترارزة البارزين، لكن أهم من كل ذلك كان رجل أمن موريتاني من طراز رفيع،فقد كان من الثلة القليلة التي استلمت المهام الأمنية بثقافة ووعي بمتغيرات العالم ومستجداته وما طرأ على العلاقة بين رجل الأمن الجديد والمواطن الجديد،فالشطط في استخدام الهراوة لم يعد محبذا بعد انتهاء العقد الأول من تحرر الدول المستعمرة، اذ أصبح مدانا،والتعذيب بات منكرا يشجبه العالم لنشره الأحقاد والضغائن بين الناس..وقف الرجل القوي الأنيق بين جيلين من الشرطة موقف الحاذق الحذر فلم يعرف بميوعته ولم يشتهر بعنجهيته، فكان بين ذلك قواما، وبهذا قضى عقودا كأحد ابرز رجال الأمن في البلاد الى أن تقاعد،فاتضح انه استاذ مبرز للجريمة وأساليبها ووسائلها، وهنا كان عليه نقل مهاراته وخبرته لأطر البلاد..محمد لم يتوقف عن العمل،فقد دخل عالم السياسة،وطبعا لم يكلفه ذلك الكثير من الوقت لييبز كمنافس قوي لبقية الأعيان والساسة على نيل ثقة سكان ولايته فكان اول رئيس للجهة، وكان بلاشك ينوي مواصلة العمل خدمة لمواطنيه..حدثني أحد الناشطين في الحرب على السرطان انه كان يحتاج مالا لانقاذ مريض فنشر عن حالته، وعندما تلقى اتصالا من أحد المتبرعين للحالة وذهب اليه، وجد نفسه أمام الرجل الذي سلمه المال قائلا بلهجة رجل أمن: اياك أن تذكرني،ولم يذكر تبرعاته حتى الأمس،فقد غيب الثرى الرجل القوي في حادث سير مروع مع حرمه آمنة التي تربت على يد ضابط شريف هو الآخر، فقد عرف في الوطن كله كضابط له مواقف خالدة وعلاقات مع الساكنة ميزته عن غيره،فوالدها هو ضابط الدرك أحمد الطلبة ولد ابراهيم السيد، فكانت نتاجا لتربيته وتجسيدا فعليا لأخلاقه، جاءت الفتاة ثمرة طيبة من ثمار تجربة رجل من الجنوب والشمال والشرق..ولأنه كما يقال وراء كل عظيم امرأة،فقد قضت آمنة الشريفة الطيبة مع زوج اختارته لها العناية الالهية في السراء والضراء والصحة والمرض والموت..وهذه المرة عبارة "انا معك حتى الموت" تحققت فعلا،فللأسف دفن الثنائي المحبوب في ذات الزمان والمكان بعد أن ترك ذكرا حسنا بين الناس وأولادا سوف لن يتكلفوا وهم يعرفون بأنفسهم، فأمهم هي السيدة الفاضلة آمنة ووالدهم هو محمد،القوي الأنيق الممازح الطيب الشهم..اللهم اغفر لهما وارحمهما وتقبلهما عندك في الابرار..إنا لله وإنا إليه راجعون..والعزاء للوطن.