تشغل صغائر الاهتمامات والانشغالات الهابطة، جل الصفحات على منصات التواصل والمواقع الألكترونية الموريتانية؛ فغالب روادها، اليوم،
منهمكون في تزوير السير الذاتية الشخصية، واختلاق سرديات خاصة لأسر وقبائل وفئات وشخصيات، ٱباء وأجدادا، بل وتشييد أهرامات لمجدهم المزعوم، مع الحفر عميقا لدفن كل ما ينسب إليهم، حقا أو كذبا، من عيوب وٱثار غير محمودة، يصاحب ذلك تطاول على كل القامات والذوات الوطنية، احياء وأمواتا.
إنها ارتكاسة متنامية، لنخبنا المغشوشة، يمدها حنين جارف إلى الخصوصيات التاريخية، مع انصراف لافت لمحاكاة الأولين، والتشبه بهم، بل وجمع ما في السطور وما في الصدور، من "مٱثرهم وأمجادهم" المنظورة والمطمورة؛ مع حضور طاغ لقيم عتيقة بالية، نبتت نابتتها إبان الصراع المحموم على وسائل العيش الشحيحة، بين قبائل وفئات وغزاة السائبة، في بيئة كان أبرز ما تفتقده الامن والعدل والسلطة والقانون.
وإن شئت العجب، فمن العجب أن تجد أجيالا متتالية، من مجتمع اليوم، وقد تداركها الله برحمته، حين ولدت وتربت وتعلمت وعاشت، خارج بيئة ونوازل ومألوفات ٱبائها وأجدادها، فعرفت الدولة ومقتضياتها، وفتحت أعينها على العصر والعالم؛ تجدها منصرفة، عاكفة، طوال الوقت على صد المجتمع عن مثل المواطنة والديمقراطية والعدل والقانون والاحزاب والنقابات والمجتمع المدني ومنظمات الحقوق، وطفرة الإعلام، وصرفه إلى ثارات السائبة وقيم البادية والقبيلة والفئة والطائفة؛
تلأدهى من ذلك أن"نخبا" كثيرة تسوق تلك القيم البالية المعيقة، والمتجاوزة، باعتبارها مؤهلات تبوئ صاحبها الصدارة للمنافسة على المواقع القيادية في المجتمع ودوائر الدولة؛
إقرأ، إن شئت، اثرا مكتوبا لأحد هاؤلاء؛ وليكن مقالا، أو تدوينة، أو تغريدة، أو حتى بيانا باسم مؤسسة أو هيىة، لتجد نفسك في مواجهة من ظننته كاتبا بصيرا، فإذا هو فارس مغوار، لا يكتب رأيا بين الٱراء، بل يخوض معركة بقاء، ضد غريم وابن غريم شرس، له في رقبته ثار لا يزيده التقادم إلا حضورا؛
في ادبيات الكتاب من النخب المغشوشة، يكون عامل تعليل أي قرار، أي خيار، أي مسار، يكون واحدا، وهةحاضر بقوة طاردة لكل ما سواه من عوامل. التعليل؛ فكل تصرف او قرار، او خيار، يتخذه أيا كان على سلم المسؤولية الوطنية تنفيذيا، أو تشريعيا، أو في محراب القضاء، فإن العامل الاوحد، الذي لا يتعدد، لتعليله، مستدعى من التاريخ السحيق، وهو لا محالة ثأر قديم، ومن الثارات النسب، والحسب، والفروع والقبيلة،وربما الحهة.