أثارت عملية اختلاس مبالغ كبيرة من العملة الصعبة من إحدى خزائن البنك المركزي الموريتاني، صدمة كبيرة في الرأي العام المحلي، وردود أفعال غاضبة تطالب بتحقيق شفاف ومستقل، ومعاقبة المتورطين في الجريمة، ولكن الأسئلة التي طرحها الموريتانيون كثيرة ومن أبرزها: ما هي الثغرة في نظام مراقبة البنك الذي يرمز لسيادة الدولة، وهل سبق وأن حدثت سرقات مشابهة ؟
إن رحلة البحث عن هذه الثغرة، تتطلب فهما لمصلحة «الصندوق» التي تعد المصلحة الأهم والأكثر حساسية في البنك المركزي، وهذا الصندوق يقع في ثلاث مستويات هي: الصندوق المركزي، الصندوق الرئيسي، ثم الصناديق الفرعية، وتعد الأخيرة هي الصغيرة والتي تعمل بشكل يومي لتجري معاملات البنك اليومية.
وللصندوق ثلاثة مفاتيح مختلفة، يوجد كل واحد منها لدى شخص مختلف، ولا يمكن فتحه إلا بحضورهم في نفس المكان والوقت، وتتم إدارة الصندوق من طرف هيئتين متوازيتين: الإدارة المركزية للصندوق، وإدارة رقابة الصندوق.
وقد وقعت عملية الاختلاس في أحد الصناديق الفرعية التي تعمل بشكل يومي، وتحديداً في الصندوق الفرعي الخاص بالعملة الصعبة، من أجل توفيرها لموظفي الدولة المسافرين في مهام رسمية، وفي العادة تحصل الموظفة العاملة في هذا الصندوق، صباح كل يوم على مبلغ يتراوح ما بين مائة ألف دولار ومائتي ألف دولار، وتخضع لرقابة يومية مع نهاية كل دوام.
وبحسب نظام الرقابة فإن المسؤولة عن الصندوق عندما تنهي دوامها اليومي، يتوجب عليها أن تعُد المبلغ المتبقي، وتلفه في ورقة وتكتب عليها اسمها وقيمة المبلغ وتاريخ اليوم، وذلك بحضور المسؤولة عنها، قبل أن توقع على ذلك عندما تسلمه للمسؤولين عن الخزنة، بحضور مراقب.
ولكن المتهمة الأولى في عملية الاختلاس، نجحت في تجاوز نظام الرقابة في البنك المركزي، لقرابة عامين، واستطاعت أن تستحوذ على حوالي مليون يورو وأكثر من نصف مليون دولار، ولكن الأخطر هو أنها أدخلت عملات مزورة إلى خزائن البنك المركزي، في سابقة من نوعها تهدد مصداقية البنك وسمعته.
عملية الاختلاس هزت الرأي العام وأثارت اهتمام الإعلام الدولي
كيف تمت السرقة ؟
حسب التحريات التي قامت بها «صحراء ميديا» لدى مصادر قريبة من الملف، فإن السيدة المسؤولة عن الصندوق الفرعي الخاص بالعملات الصعبة، كشفت أمام المحققين الطريقة التي كانت تختلس بها الأموال من الصندوق.
وقالت إن المبلغ المتبقي يومياً من الدولار، تبدل فيه الأوراق النقدية من فئة مائة دولار بأوراق أخرى من فئة دولار واحد، وتحيط الرزمة من طرفيها بورقتين من فائة مائة دولار، وبهذه الطريقة تتحول كل رزمة 10 آلاف دولار إلى رزمة من ثلاثمائة دولار فقط، مع أنها بنفس الحجم والمقاييس، قبل أن تلف جميع الرزم في ورقة وتكتب عليها اسمها مع قيمة المبلغ الحقيقي المتبقي من الدولار.
أما بالنسبة لليورو فقد لجأت السيدة إلى استخدام أوراق مزورة من فئة 500 يورو، وذلك بعد أن أعلن البنك المركزي الأوروبي مطلع العام الماضي (يناير 2019) وقف إصدار هذه الفئة وسحبها من التداول، فاعتقدت أن ذلك يعني أنها بعد فترة ستكون غير صالحة للتداول، وبالتالي سيتخلص منها البنك المركزي الموريتاني دون أن يكتشف أنها مزورة، وفق تعبير مصدر قريب من الملف.
ولكن المصدر اعتبر أن دخول هذه الكمية الكبيرة من اليورو المزور إلى خزائن البنك المركزي، كان يمكن أن يتسبب في كارثة حقيقية، لو لم يكتشفه البنك في الوقت المناسب، لأن هذه الفئة (500 يورو) بعد أن سحبت من السوق، بقي البنك المركزي الأوروبي يستقبلها لاستبدالها بأوراق نقدية أخرى، ولو أن البنك المركزي الموريتاني حمل إلى البنك الأوروبي أي فئات مزورة لتضررت مصداقيته كثيراً، ولدخل في أزمة من الصعب عليه الخروج منها.
صحراء ميديا