اهمية التعاون بين مكونات المجتمع المدرسي_/سيد امحمد الكنتي عباس

سبت, 02/11/2019 - 23:15

 يشكل التعليم الأساسي ضمن استراتيجيات التطور العمود الفقري لإصلاح بنية  التعليم والنهوض به وتحديث اتجاهاته , كما يشكل حجر الأساس في بناء نظام التربية ذالك لأنه المرحلة القاعدية التي تغطي الفترة العمرية الحاسمة في حياة الأطفال والشباب (من 6إلى 16) والتي تتشكل فيها شخصياتهم وتتحد معالم اتجاهاتهم الفكرية والسلوكية والاجتماعية وهذا ما دفع إلى الاهتمام بهذه المرحلة وبالمحتويات والأساليب التعليمية التي تستجيب لخصائص التعليم والمتعلمين فيها وتتطابق مع اتجاهات التعليم الأساسي كما حددتها أدبيات التربية.
لذا ينبغي أن لا ننظر إلى التعليم الأساسي على أنه مجرد مرحلة ممتدة على مدى سنوات وتقع في بداية الهرم التعليمي وتتسع لجميع الأطفال لأن ذالك يبعدنا عن المفهوم الحق للتعليم الأساسي الذي هو مرحلة وأسلوب وهدف فهو في ثلاثيته هذه يقودنا إلى تعليم منطلقه الكيف والكم معا وأساس منهاجه العلم الموصول بالعمل , وهو من ناحية أخرى واقع ممتد في إطار من الطموح , وحاضر منجذب إلى المستقبل ونظرية متكاملة مع التطبيق وفرص مضمونة للجميع ومكيفة مع إمكانات الجميع . 
وهكذا تعد المرحلة الابتدائية القاعدة التعليمية الثابتة التي تقوم عليها أنظمة التعليم المتنوعة فهي تمثل اللبنة الأولى في الصرح التعليمي وعليها وحدها تقام المراحل التعليمية ومن هنا فإن بناءها على أساس قوي وتأهيلها تأهيلا ثقافيا ملائما وإعطائها أهمية بالغة في التعهد والرعاية والتوجيه يضمن لنا تعليما صالحا يتسم بالقوة والجدية والفاعلية ويؤدي بالتالي إلى تحقيق الأهداف التي نرمي إليها في بناء الشخصيات وتشكيلها تشكيلا مناسبا لروح العصر ومقتضياته.
وتأتي أهمية المرحلة الابتدائية في كونها ترسخ الأساس لبناء المعرفة وتقدم المهارات العلمية اللازمة وترسم الاتجاهات والميول وتزرع المثل والقيم العليا في نفوس أبنائها وتغرس قيم العادات والتقاليد السائدة في المجتمع وتنمي قيم المبادئ السامية التي تحدد لهم معالم الطريق لخدمة الوطن , فعملية التعليم والتعلم في المرحلة الابتدائية هي الأكثر عمقا والأبعد أثرا والأقوى ثباتا منها في المراحل الأخرى وقديما قيل (العلم في الصغر كالنقش على الحجر ) فكما أن النقش لا سبيل إلى إزالته عن الحجر بعد نقشه فكذالك التعليم في هذه المرحلة فإنه يرسخ في ذهن المتعلم رسوخا يصعب محوه وإزالته فهي إذن مرحلة استقبال ممتازة يمتلك فيها التلميذ حافظة نظيفة ومهيأة تماما لطبع الأفكار والمعلومات وتثبيتها على صفحتها الناصعة وهذا ما يفسر لنا أهمية هذه المرحلة من النظام العلمي على اختلاف أنماطه وأشكاله , فما هو المجتمع المدرسي ؟ وأي علاقة يجب أن تسود بين أفراده؟ وما دور كل من الأسرة والمدرسة والمدير والمعلم في بناء هذه العلاقة ؟ لعل فيما سنتعرض له إجابة على هذه الأسئلة وغيرها مما قد يدور في ذهن كل مهتم بالعملية التربوية بشكل عام .
تعريف المجتمع المدرسي :
إن المجتمع المدرسي هو كل ما يتصل بالمدرسة من قريب أو بعيد مؤثرا أو متأثرا بها مساهما في نفس الوقت في العملية التربوية بما لا يتعارض مع اختصاص المدرسة ولعل من أهم مكونات المجتمع المدرسي المدرسة نفسها بما تحويه من تلاميذ ومعلمين ومؤ طرين ومديرين , هذا بالإضافة إلى الأسرة باعتبارها أول مؤسسة اجتماعية يكتسب الطفل من خلالها أول عضوية له في المجتمع , ونتيجة لاتساع قاعدة المجتمع المدرسي ومن أجل تنشئة الطفل تنشئة سوية وتكييف قواه الطبيعية مع القواعد والأحكام , فإنه من اللازم أن يحقق علاقات اجتماعية واضحة وصريحة ومفيدة ضمن الأسرة , ومع الأصدقاء وفي العمل واللعب وغيرها كما يجب عليه أن يحترم الإنسانية ممثلة في ذاته وفي غيره الأمر الذي لن يتم إلا من خلال قيام علاقة قوية ـ بين كافة أفراد المجتمع المدرسي ـ مبنية على أسس ديمقراطية متينة .

العلاقة بين المدرسة والبيت :
إن حسن العلاقة بين البيت والمدرسة وقوة هذه العلاقة هو ما يمهد الطريق ويذلل الصعاب أمام الطفل ويشد حبل التربية  ويحقق التوازن بين طرفيه (المدرسة ,البيت) وهي العلاقة التي تنتظم من خلال تشكيل مجلس الآباء ورسم برنامج يتم تنفيذه ومتابعته من الطرفين فنتيجة للدور الهام الذي تقوم به المدرسة ونتيجة للتأثير المتبادل بينها والمحيط الخارجي فإنه من الضروري أن لا تبقى بمعزل بل لابد من الاتصال بينها وبين أهم مؤسسة اجتماعية ينبغي التعاون معها في تربية الطفل وهي الأسرة , وذالك نتيجة للدور الهام الذي تلعبه , مما يفرض بناء علاقة وطيدة بينها والمدرسة لأن كل واحدة منهما تكمل الأخرى ولا تتم هذه العلاقة إلا من خلال انفتاح المدرسة على المحيط الاجتماعي واتصال المعلمين بالآباء واتصال الآباء بالمدرسة للإطلاع على مدى استفادة أبنائهم ومحاولة حل ما يعترضهم من مشكلات مع طرح الملاحظات في نفس الوقت واقتراح الحلول مما يوجد نوعا من التعاون بين المدرسة والبيت وذالك من خلال الأسس التالية: 
*ـ التعاون من أجل الأهداف التربوية وذالك من خلال التنسيق بينهما لتأكيد النظرة إلى تلك الأهداف 
*ـ التعاون من أجل تحقيق النمو المتكامل للطفل فإذا كانت المدرسة تؤمن بضرورة تكامل نمو الطفل إلا أنها بحكم طبيعتها تركز على الجوانب العقلية والمعرفية بينما تركز الأسرة على الجوانب النفسية والجسدية وعليه فكل منهما تقوم بجانب هام من تربية النشء 
*ـ التعاون من أجل القضاء على الصراع الناجم عن اختلاف وجهات النظر في تعليمات كل من البيت والمدرسة , فهذه الأسس مجتمعة كفيلة بضمان استمرارية العلاقة بين المدرسة والبيت .

العلاقة بين المعلم والتلميذ:
يعتبر المعلم رائدا يقوم بتعليم وقيادة جماعة التلاميذ لذا كان لزاما عليه إنشاء علاقة حميمة تسمح بالتواصل والتفاعل بينه والتلميذ فلم يعد المعلم مجرد نقال للعلوم وملقن للمعارف بل هو المرشد والهادي والضابط وعلى ذكر الضبط وبما أن ضبط القسم أمر ضروري لمزاولة أي نشاط تعليمي فإن مصداقية المعلم تكمن في جعل التلميذ يقتنع بالضبط بحيث يمارسه كسلوك بعيدا عن أساليب الإكراه والتسلط بل يعتمد أسلوب العلاقات الإنسانية القائمة على تفهم مشكلات المتعلم والتعامل معها بحكمة وتبصر , فالثواب أفضل من العقاب لذا ينبغي نبذ الأساليب القديمة القائمة على مبدأ العقاب أو على الأقل التقليل منها في المدرسة وذالك باستبدال أسلوب التهكم والسخرية بأسلوب التشجيع والمدح والمساعدة والمسامحة وتهيئة المجال أمام التلاميذ لإبداء مقترحاتهم وآرائهم والأخذ بما هو معقول منها واتساع صدره للاستماع إلى مشكلات التلاميذ والتفكير معهم في حلها واختلاطه بهم في الفصل وخارجه اختلاطا يضمن توطيد الروابط بينه وبينهم بقدر يضمن معه استمرار احترامهم له وتقديرهم , وأخيرا تشجيع أسلوب المناقشة داخل الفصل وخارجه فتوسيع نطاق العمل الجماعي أمر يضمن الاستفادة للجميع .
علاقة المدير بالمعلمين والمؤسسات العامة:
يجب تنظيم علاقات مستمرة بين المدرسة والمؤسسات التربوية والاجتماعية والهيئات الحكومية وقطاعات العمل الخاص وذالك للاستفادة منها في إنجاح العملية التربوية 
وبما أن مدير المدرسة يعتبر حجر الأساس في كلما يدور داخل مدرسته يجب عليه بناء علاقة تطبعها المسؤولية والوضوح في جميع الأعمال  المنتظمة التي يقوم بها مع جميع العاملين من مدرسين وغيرهم بوصفهم مساعدين له بغية تحقيق الأهداف التربوية داخل المدرسة والتي تعتبر جزءا من الإدارة التعليمية الكاملة . 
فمدير المدرسة غالبا ما يكون من بين أعلى المعلمين إطارا وأقدمهم عملا الشيء الذي يفرض أن تكون خبرته التربوية والإدارية أحسن من خبرة المعلمين الموجودين معه ومن هنا ينبغي على المعلمين أن لا يتنكروا لخبراته وأن لا يحاولوا أن تطغى شخصياتهم ونفوذهم عليه كما يجب على المدير أن ينظر إلى عمله على أنه قيادة ديمقراطية لا سلطة تعسف , فلا يستغل سلطته في التسلط عليهم وأن لا يعتبرهم أداة مسخرة لتنفيذ سياسته وإنما يجب عليه 
1ـ أن يحترمهم وأن يعمل دائما في المجموعة كفرد منها لا مستقلا عنها 
2ـ أن يستخدم قيادته لا من سلطته كمدير وإنما من قدرته على مساعدة المعلمين للوصول بالمدرسة إلى أحسن ما يمكن
3ـ أن يعمل على تقوية الروابط الاجتماعية بينه وبينهم وبين باقي أفراد المجتمع المدرسي 
4ـ أن يعتبر مسؤوليته الأولى تحفيز العمل والمواهب وتنسيقها وأن يسلم بأن إدارة المدرسة ليست وقفا عليه وإن إشراك المعلمين في إدارتها أدعى لنجاحها من جهة وتحمس المعلمين لها من جهة أخرى وذالك كله شريطة أن يكون الاشتراك بقصد التعاون وتخفيف الأعباء والأعمال .
ومما لا شك فيه أن تفعيل دور هيئات التأطير من مفتشين ومستشارين تربويين وملحقين إداريين سيزيد من فاعلية المدرس والدفع بالعملية التربوية نحو المزيد من والجدية والعطاء.  
 ومن جهة أخرى بات لزاما على القائمين على التعليم وإصلاح التهذيب ، أكثر من أي وقت مضى الاهتمام بالمعلم فهو الأساس الذي عليه يقف كل إصلاح يراد له النجاح ، وذلك من خلال (الدعم،والتكوين،والتكريم ) فهي المفاتيح الأساسية  لنجاح عملية الإصلاح بوجه عام . 
زملائي المعلمين إن تكوين مواطنين مسيرين قادرين على التفكير السليم والعمل المثمر وتحمل المسؤوليات بغية النهوض بالمجتمع وخلق علاقات اجتماعية قائمة على أسس ديمقراطية متينة يجب أن تظل شغلكم الشاغل طيلة فترة عملكم فما من شك في أن أهم دواعي ارتقاء الأمة وبلوغها شأو الفلاح والنجاح يكمن في ارتقاء أفرادها وتربيتهم التربية الصادقة وورودهم مناهل التهذيب والتعليم منذ نعومة أظافرهم فإذا كنتم أعزائي المربين رجالا مهذبين مخلصين صادقي الوطنية كانت الأمة كذالك والعكس بالعكس فالأمة لا تقوم إلا بالأعمال الصالحة والضمائر الصادقة فألنكن جميعا في خدمة أوطاننا ولننشر ثقافة العمل و المحبة والسلام بين أجيالنا ولنتذكر قول الله عز وجل (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً  وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) صدق الله العظيم.