عفة الييد ونزاهة المسؤول/ كاتب من دولة زائير

سبت, 05/10/2019 - 11:15

عام ١٩٧٣ زار الرئيس الزائيري وقتذآك الجنرال موبوتو سي سي سيكو موريتانيا لمدة ثلاثة أيام وهي تعتبر من أفقر بلدان القارة الأفريقية واقتصادها يعتمد على صيد الأسماك و الزراعة و الرعي وأثناء المباحثات في الأيام الثلاثة لاحظ الرئيس الزائيري أن مضيفه الرئيس الموريتاني آنذاك المختار ولد داداه ( ١٩٦٠ - ١٩٧٨ ) واول رئيس لموريتانيا بعد استقلالها من الاحتلال الفرنسي يرتدي بدلة واحدة لم يغيرها طيلة الأيام الثلاثة.  أدرك موبوتو أن مضيفه لا يملك المال الكافي لشراء البدلات الأنيقة و الباهظة الثمن من دور الأزياء الراقية في باريس وعند اختتام زيارته وفي صالة المغادرة في مطار نواكشوط سلم الرئيس الزائيري موبوتو شيكا بمبلغ ٥ ملايين دولار لسكرتير الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه لكي لا يحرج مضيفه و أعطى السكرتير عناوين أشهر مصممي الأزياء في العاصمة الفرنسية والتي يحيك موبوتو بدلاته عندها لكي يحيك للرئيس الموريتاني المختار ولد داداه قمصانا واربطة عنق وبدلات رسمية من أرقى أنواع الاقمشة لدى دور الازياء الراقية تلك ... بعد توديع الرئيس الزائيري سلم السكرتير الرئيس الموريتاني شيك الخمسة ملايين دولار وقال له إنها هدية من الرئيس موبوتو لك لكي تشتري بها بدلات والبسة من باريس. استلم الرئيس ولد داداه الشيك وسلمه لوزير المالية الموريتاني لكي يضعه في حساب الدولة ... ولاحقآ ومن مبلغ ٥ ملايين $ هدية الرئيس الزائيري تم بناء وتجهيز المدرسة العليا لإعداد الأساتذة و المفتشين في موريتانيا التي كانت تعاني من نقص شديد في إعداد الأساتذة و المعلمين بسب الفقر والجهل والتخلف ... بعد خمس سنوات أي في العام ١٩٧٨ توقف الرئيس الزائيري في المغرب قادمآ من زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة الأمريكية استمرت لاسبوع وما إن علم الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه بتوقفه في الرباط حتى اتصل به ودعاه لزيارة موريتانيا اعتذر موبوتو ولكن بعد الحاح ولد داداه وافق على أن تكون زيارته قصيرة و في الطريق من المطار إلى القصر الرئاسي لاحظ موبوتو أن لافتات مكتوبة باللغة الفرنسية تزين الشوارع في الطريق مكتوب عليها شكرآ زائير شكرآ موبوتو شكرآ على الهدية ؟؟؟؟ وقبل أن يصل الموكب الرئاسي إلى القصر توقف في مدرسة إعداد الأساتذة وما إن ترجل موبوتو من السيارة حتى استفسر وسأل بتعجب ولد داداه عن الهدية التي يشكرني عليها الشعب الموريتاني فأنا قد وصلت قبل ساعة إلى نواكشوط وللأسف لا أحمل هدايا معي ؟؟؟ عندئذ ابتسم الرئيس ولد داداه بابتسامة عريضة وقال هذه هي هديتك القيمة فبمبلغ ٥ ملايين دولار التي قدمتها لي قبل خمس سنوات بنينا بها مدرسة لإعداد الأساتذة والمفتشين شعبنا بامس الحاجة إليها لكي نحارب الأمية والتخلف والجهل والفقر فعانقه موبوتو وقال له لو قدر أن يكون باقي الزعماء الأفارقة مثلك لكانت قارتنا لا تعاني من الامية والجهل والفقر والتخلف ... و قال ولد داداه لضيفه إنني استلم راتبآ شهريآ من خزانة الدولة ولا اعمل بلا أجر وهذه الهدية منك لشعب موريتانيا أما مظهري وهندامي فلا يجوز أن يكون من أرقى المناشئ وبيوت الأزياء العالمية وشعبي يعاني من الأمية والجهل والتخلف والفقر ولأنه بالعلم يستطيع أن يقضي على تلك الافات والمعوقات التي تعرقل مسيرته ... وقد عرف عن الرئيس الموريتاني المختار ولد داداه ( ١٩٢٤ - ٢٠٠٣ ) البساطة والابتعاد عن المظاهر السلطوية وعن الترف والبذخ وكان يسكن في بيت متواضع وبسيط لا يوجد فيه سوى ثلاث غرف بعد انتهاء عمله اليومي في القصر الرئاسي ..