تعتبر التعددية العرقية والإختلاف والتلون ظواهر طبيعية، وهي متغلغلة في أعماق الدول المتقدمة وتلك النامية على حدٍ سواء، والفارق يكمن في أن السواد الأعظم من الدول اليغظة أمسكت بخيوط الحل لهذه الظاهرة وتمكنت من تطويعها لتكون قوة يُستفاد منها في نُمو وتقدم شعوبهم، بينما الدول النامية لا تزال تَتعثر في السيطرة على مخرجات ظاهرة التعددية العرقية في بلدانهم.
حيث يمكننا القول أن للتعددية العرقية وجهان متناقضان يمثلان "الإستقرار ووالاضطراب" فإذا ما استطاعت الدول احتواء هذه التعددات العرقية والثقافية، ومحاولة إذابة الفوارق بين العرقيات المختلفة، ومحاولة إنصهارها في بوتقة الوطن الواحد، لخرجت لنا محصلة حتمية هي الإستقرار المجتمعى والتعايش السلمى المفترض وعلى الصعيدين الداخلي والخارجي.
وإذا ما تهاونت الدولة في السيطرة عليها، أو محاولة إحتوائها فقد تنشب الصراعات وحروب أهلية مما يقطع أوصال الدولة، وقد تتخطى تلك الصراعات الحدود.
وإذا ما ضربنا مثالاً لإخفاقات الدول في هذا الملف، نجد أن التطهير العرقي في بعض الدول مثل رواندا، ويوغوسلافيا (سابقا)، وما يحدث لمسلمي ميانمار قد آل بهما إلى مآلات خطيرة وكما حصل حتى لبعض دول الربيع العربي.
وتعد دولة "ماليزيا"نموذجاً مثالياً للدولة الناجحة التي استطاعت أن تثبت أن التنوع العرقي في حد ذاته لا يمثل خطراً على الأمن القومي للدول بل يمكن الإعتماد عليه كعامل قوة و وحدة، ودافعاً للإستقرار والتقدم، وأن التعددية العرقية ليست دائماً سبباً للحروب والصراعات وتشرذم هيكلة الشعوب.
فإذا أمعنّا النظر في التكوين السكاني لماليزيا، نجد أنها دولة متعددة الأعراق والأديان، فهي تتكون من ثلاث فئات عرقية رئيسية (الملايو، والصينيون، والهنود) إذ يمثل الملايو 58% وهم المواطنون الأصليون، ويمثل الصينيون 24%، بينما يمثل الهنود 8% من إجمالي السكان، بالإضافة لفئات أخرى متنوعة تمثل 10% من السكان وبطبيعة الحال نجد أن هذا التنوع العرقي قد انعكس على الديانات المكونة للدولة، فهناك أنواع مختلفة من الديانات مثل الإسلام الذي يمثل الدين الرسمي للدولة، إلا أن هناك أيضا البوذية والكونفوشية والهندوسية والمسيحية .
وعلى الرغم من هذه التركيبة العرقية والسكانية والدينية المعقدة فقد نجح النظام السياسي الماليزي أن يقفز فوق كل هذه الحواجز ماسكاً بزمام الأمور ليدير بحنكة وذكاء مجتمعاً متعدد الأعراق والأديان، وأن يوفر الآليات اللازمة لإستيعاب وإدارة تلك الاختلافات الدينية والعرقية.
وقد لا يكون النموذج الماليزي وصل إلى حد الكمال، إلا أنه كان ناجحاً بما يكفي لتجنيب الإنزلاقات، رغم كل هذه التعددية العرقية و الأزمات السياسية والصراعات العرقية والدينية، وتحقيق مستوى متقدماً في التنمية الاقتصادية والإجتماعية .
من هذا المنظور تبقى مورتانيا فى أمس الحاجة إلى التلاحم والتكاتف والتكامل من أجل تطبيق مبدأ العدل والمساواة وأن تساهم الأنظمة وكافة الأطياف فى سبيل ترسيخ مبدأ الوحدة الوطنية ونبذ كل ما من شأنه المساس بللحمة الوطنية كصمام للسلم والأمن، من هنا حيث نبدء وضع الأساس .
بقلم / الكاتب والإعلامى _الخليل عبد الله