رتب دستور 20 يوليو 1991 على مسؤولية الوزير الأول بالتضامن مع حكومته أمام البرلمان تمكين الحكومة والبرلمان من وسائل ضغط متبادلة؛ عددت المادة 74 من ذلك الدستور منها: "ملتمس الرقابة" و"مسألة الثقة"أولا: ملتمس الرقابة: -
وهو آلية بيد البرلمان، يعمد لإعمالها في مواجهة حكومة قائمة فعلا، في وضعيتين: 1- (الهجوم ) لإسقاط الحكومة مطلقا متى شاء البرلمانيون ؛ من خلال "الطعن في مسؤولية الحكومة" ولا يحق للنائب توقيع مثل هذا الملتمس إلا مرة واحدة في نفس الدورة البرلمانية.2- (الدفاع) كرد فعل على مصادرة الحكومة لحق النواب بنقاش القانون وتمرير نص دون المرور على تصويت البرلمان(م/75/ف5و6)، ولا حد على النواب في توقيع ملتمس من هذا القبيل كلما عمدت الحكومة لمصادرة حقهم في النقاش البرلماني .وتحسب في الحالتين الأصوات المؤيدة، وتسقط الحكومة بحصول ملتمس الرقابة على أغلبية نواب الجمعية الوطنية.ثانيا :المسؤولية السياسية للحكومة: -
وهي للحكومة تفعل بمبادرة منها من خلال "مسألة الثقة" وفى مناسبتين كذلك:1-بعد مداولة مجلس الوزراء لتمرير نص دون عرضه على التصويت؛ حيث يعتبر النص مصادقا عليه مالم يقدم ملتمس رقابة خلال أربع وعشرين ساعة اللاحقة، أو قدم ولم يحصل على أصوات أغلبية النواب.2-بعد مداولات مجلس الوزراء حول برنامج أو بيان سياسي عام!
وحين يتم تعريض "المسؤولية السياسية للحكومة" من خلال "مسألة الثقة"، فإن الثقة تحصل مالم يتم "تصويت مناوئ" تحسب فيه "الأصوات المناوئة" فقط، ويرتب حصول المناوئين على أغلبية نواب الجمعية الوطنية الاستقالة الفورية للحكومة، التي تظل تسيير الأعمال الجارية إلى أن يعين رئيس الجمهورية وزيرا أول وحكومة جديدين. (المادة 75/ف4).
مع تلاحق التعديلات الدستورية حدث تطور فى العلاقة بين الحكومة والبرلمان أوجد رابطة تتجاوز وسائل التأثير المتبادل إلى منح الشرعية ؛ فبمقتضى التعديل الذي حمله القانون الدستوري رقم 2012-015 الصادر بتاريخ 20 مارس 2012 في (المادة 7) منه، حصل تعديل على مقتضيات (المادة 42) من الدستور، حيث أصبح على كل حكومة تشكل لأول مرة أن تحصل على ثقة البرلمان خلال شهر من تعيينها، وتم النص على أن الحصول على تلك الثقة يتم من خلال التزام الوزير الأول أمام البرلمان حين تقديم برنامجه ب "مسؤولية الحكومة " وفق الشروط المبينة في المادتين 74 و74 من الدستور
تأخر إنفاذ تلك المادة (م/42/ج) حتى إعلان نتائج انتخابات الفاتح من أغسطس 2018؛ لأن (المادة 14) من القانون الدستوري 2012 -015 ربطت تنفيذ محتوى ما حمله من تعديل ب:" إعلان النتائج النهائية للتجديد الجزئي أو الكلي للغرفتين البرلمانيتين " الأمر الذي تأخر حتى ذلك التاريخ.
الوزير الأول المعين في 29 أكتوبر قدم برنامجه مع التزامه بمسؤولية حكومته لنيل ثقة البرلمان في جلسة الخميس 22 نوفمبر2018 وحصل في السبت 24 منه على تلك الثقة، لكن ذلك تم وفق المسطرة المحددة في المادة 135 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية؛ حين أسس رئيس الجمعية حصول الحكومة على ثقة البرلمان على عدم تقديم ملتمس رقابة من النواب خلال أربع (24) ساعة من طرح مسألة الثقة.
المادة 135 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية غير منطبقة مطلقا بهذا الخصوص للاعتبارات التالية:
ا-أن تعديل (المادة 42) الذي جعل الحكومة تعكس فوق إرادة الرئيس الذي يعين وزيرها الأول، ووزراءها باقتراح منه، إرادة ممثلي الشعب حين اشترط حصول البرنامج الحكومي على ثقة البرلمان، لاحق على صدور النظام الداخلي للجمعية الوطنية الذي لم يعدل حتى اللحظة ويثور شك مبرر في صلاحيته أصلا لتنظيم (برلمان الجمعية الوطنية) نفسه.
ب-أن إثارة الوزير الأول لمسؤولية الحكومة المشار لها في المادة 135 من النظام الداخلي اختيارية: "للوزير الأول إثارة ..." (م/135/ف1)، وغريبة للغاية: فما الذي يدفع الوزير الأول لتعريض حكومته لاحتمال السقوط وليس هنالك ما يحتم عليه طرح مسؤولية الحكومة بمناسبة عرض برنامج حكومته أو بيان عام !؟
ج-في حين أنه بمقتضى (المادة 42 /ج) ظهرت حالة تكون فيها إثارة المسؤولية السياسية للحكومة إلزامية: "يقدم الوزير الأول برنامجه أمام الجمعية الوطنية في أجل أقصاه شهر واحد ... "(م42/ف2)
د-أن البرلمان، والحال كذلك، لا يحجب الثقة عن حكومة مبادرة توظف طرح مسؤوليتها السياسية، بل هو يرد على طرح لمسألة الثقة، تلزم الحكومة به لكي تحصل على ثقة هي شرط وجود لتلك الحكومة؛
ه-أن ملتمس الرقابة وسيلة للبرلمان في مواجهة حكومة قائمة، وهوما يجعل نجاحه يرتب إسقاط (قتل) حكومة قائمة بسلاح "نزع الثقة"
و-بينما حين يقدم وزير أول معين، استيفاء لإجراءات ميلاد حكومته، برنامجه أما م البرلمان مع طرح مسألة الثقة يكون بيد البرلمان منع (إجهاض) ميلاد تلك الحكومة "برفض منحها تلك الثقة"؛ حيث يصوت على ذلك الطلب من يرفضه من خلال ما يسمى "التصويت المناوئ" (م75/ ف1).
تعيين وزير أول وتعيين وزراء باقتراح منه يعنى تشكيل حكومة جديدة، لكن استهلال تلك الحكومة صارخة ومنحها أهلية كاملة، لا يكون إلا إذا نالت ثقة البرلمان من خلال امتناع النواب عن التصويت ضد حصولها على تلك الثقة.
الفرصة سانحة إذا لميلاد أوسع الحكومات قاعدة شرعية، بعد أن ضاع على سابقتها ذلك الشرف بفعل الإعمال غير الموفق لمقتضيات مادة غير منطبقة هي (المادة 135) من نظام داخلي أعد للجمعية الوطنية حين كانت إحدى غرفتي البرلمان، يوم لم يكن للبرلمان دور إلزامي في تزكية الحكومات قبل مباشرة مهامها فعليا.