صفية بنت العربي
على الطريق الرابط بين شرق البلاد وغربها والذي يمتد على مسافة أكثر من 1200 كيلومتر تصادفك عشرات الدوريات والمراكز ونقاط التفتيش التابعة للشرطة والدرك، كما تترامى على جنبات الطريق هياكل السيارات المهترئة التي راح ضحيتها المئات من المواطنين، في وضعية مزرية تتعدد المسؤوليات عنها وتتوزع بين الإهمال الأمني والطبي والتأخر في التدخل لإسعاف الضحايا، كما تتشابك فيها مظاهر الفساد الواضحة وممن كان يفترض منهم أن يكونوا حماة القانون والساهرين على تطبيقه.
فما هي الأسباب الكامنة وراء هذه الوضعية، وفي ماذا تتجلى مظاهر الفساد والرشوة هذه؟
ولماذا أصبح طريق الأمل سكينا لذبح المواطنين، ومكانا للجباية والرشوة ليس إلا؟
من يبدأ الفساد والفوضى..
ككل دول العالم فإن تنظيم النقل تقنينه ضرورة لا غنى عنها، إلا أن المسافر على طريق الأمل يلاحظ بوضوح الحضور الأمني المبالغ فيه، وكذلك الحضور المبالغ فيه لمراكز الدرك والشرطة وللدوريات، والتي يمكن القول إنها تتوالى بمعدل كل 50 كيلومترا وهو ما لا يجد له المرء تبريرا في دولة آمنة مثل موريتانيا وليس في دولة خارجة للتو من حرب أهلية.
غير أن المعضلة ليست فقط في هذا الحضور الأمني المبالغ فيه وإنما فيما يقوم به عناصر الدرك والشرطة على حد سواء، والذين لا يرون أن من مهمتهم تأمين المواطنين بقدرما يعتقدون أن مهتمهم هي جباية الأموال من أصحاب السيارات و من اللأجانب ومن المواطنين إن تطلب الأمر. بل إن بعضهم أسر بأنه اضطر إلى استخدام علاقاته لكي يستطيع مغادرة الثكنة أو المفوضية ليتم اعتماده ضمن من يرابطون على الطريق، لما في ذلك من فوائد مالية وعائدات نقدية تفوق حتى الراتب الشهري الممنوح له، مما قد يضطره حتى لتقديم رشاوى لجهات معينة تعمل على ظهور اسمه ضمن من سيعملون على ناصية طريق الأمل ويجبون الأموال بدون أي وجه قانوني.
أشخاص يموتون بسبب الإهمال
بشكل يومي تقريبا وأسبوعي يعرف طريق الأمل المهترئ والمليء بالحفر حوادث سير قاتلة، يروح ضحيتها العشرات كل شهر.
بعض هذه الوفيات تتم بسبب عدم التدخل في الوقت المناسب من طرف رجال الأمن، حيث يتم إسعاف الضحايا بعد ثلاث ساعات أو أربع من وقت الحادث، وهو ما يعبر عن عدم جدية وعن استهتار بحياة الناس.
هذا وكان البرلمان الموريتاني قد رفض المصادقة على مشروع قانون يسمح بتخصيص سيارات إسعاف على طريق الأمل للتدخل وقت الحاجة من أجل إنقاذ حياة من يتعرضون لحوادث السير. هذه الحوادث التي تعود مسؤوليتها بشكل أساسي لإهمال متعمد من طرف السلطات، سواء كان ذلك بتشييد طريق لا يتسع لسيارتين متوازيتين أو من خلال عدم صيانة الطرق ذاتها أو من خلال عدم التدخل في الوقت المناسب وعدم تطبيق القوانين على السائقين والسيارات والاكتفاء بالرشاوي. كما أن هناك مسؤولية تعود إلى السائقين الذين يفرطون في السرعة على طريق بهذه المواصفات الرديئة دون أي إحساس بالمسؤولية.
الرشوة هي عصب العمل الأمني
تعود السائقون على هذه العلاقة المشبوهة بالدرك والشرطة، حيث إن السائق يمكنه أن يحمل من البضائع ما شاء وإن تجاوزت الحجم المطلوب رغم ما في ذلك من مخاطر على حياة المواطنين، لكن الشرط الوحيد لرجال الشرطة والدرك هو الدفع، ثم الدفع، ولا لغة تعلو على لغة الرشوة الفاضحة وأمام عيون المواطنين والذين لا يستنكر أغلبهم هذا السلوك، بل يبررونه، بأن هؤلاء لا دخل لهم يكفي وبالتالي فإنهم مضطرون إلى أخذ الرشاوى حتى يستطيعوا “القيام بمهمتهم الوطنية المقدسة”، في تناقض واضح وصريح بين دورهم المفترض وبين ما يقومون به على أرض الواقع.
تتعدد اساليب تلقي هذه الرشاوي، فمنهم من يرسل مساعده الذي يدخل في المركز مباشرة ويسلم المبلغ المطلوب، ومنهم من يدس في يده ورقة مالية أو قطعة نقدية ثم يتظاهر بأنه يصافح الدركي أو الشرطي، فيقبض هذا الأخير على المبلغ ويدسه في جيبه دون أن يستطيع التأكد منه، إلا أن الأعراف جرت بأن المبلغ يتراوح بين 50 و20 أوقية جديدة.
بعض السائقين الشحيحين كانوا فيما سبق يقومون باقتطاع أوراق من كيس إسمنت على شكل بحجم أوراق مالية محددة ثم يسلمونها لرجل الأمن الذي يدسها في جيبه دون تحقق منها، ولأن جيبه محشو بالأوراق المالية فلن يميز من الفاعل، غير أن ذلك أصبح من الصعب تنفيذه لأن الأوراق المالية الجديدة لا يشبه ملمسها ملمس أوراق كيس الإسمنت في شيء، كما أن عناصر الأمن تفطنوا لذلك فأصبحوا يضعون الأوراق المتحقق من صحتها جانبا بينما يقومون بالتحقق من الورقة الجديدة فور انطلاق السائق الذي منحها. إنهم يحاربون بالحزم السائقين الذين يواجهون الرشوة بالغش، إلا أن القطع النقدية ما زالت قابلة لهذا الغش حيث بالإمكان منح عشرين أوقية قديمة على أنها عشرين أوقية جديدة، ما لم يتحقق رجل الأمن منها..
طريق تطبعها الفوضى والرشوة وتتكاثر عليها باطراد حوادث السير، وهي التي تربط بست ولايات حيث الثقل الديموغرافي والحضور البشري المكثف، دون أن تعطيها السلطات ما تستحق من اهتمام أو أن تتخذ الإجراءات اللازمة من أجل حماية الأرواح والممتلكات وتطبيق القانون ومحاربة الفساد.
تقدمي