لا ديمقراطية بدون تناوب سلمي وسلس على السلطة تلك حقيقة يعلمها الجميع، ولكن هناك حقيقة أخرى يعلمها الجميع أيضا، وهي أن التناوب السلمي والسلس على السلطة هو ظاهرة ديمقراطية نادرة الحدوث في قارتنا الإفريقية، وهو أكثر ندرة ـ بالتأكيد ـ في عالمنا العربي.
ونظرا لندرة حدوث عمليات التناوب السلمي على السلطة في منطقتنا العربية والإفريقية فإننا لن نبالغ كثيرا إذا ما قلنا بأن ما تعيشه موريتانيا في يومها المشهود هذا هو ظاهرة ديمقراطية نادرة الحدوث في دول المنطقة، ولذلك فهي ظاهرة تستحق التثمين والإشادة من كل المهتمين بالديمقراطية في هذه المنطقة من العالم.
فكم هو مثير للفخر والاعتزاز أن يحكمنا في هذه البلاد رئيسان في يوم واحد، رئيسٌ يستقبل الضيوف في صباح اليوم، ورئيس آخر يودع نفس الضيوف وفي مساء نفس اليوم. إنه لحدثٌ عظيمٌ أن يُصْبِحَ مواطن عربي إفريقي على رئيس يحكم بلاده، وأن يمسي على رئيس آخر يحكمها، وأن لا يتخلل ذلك موتٌ غَيَّبَ الرئيس الأول، أو بيانٌ عسكري رقم واحد جاء به الرئيس الثاني.
من حقنا في هذه البلاد أن نفتخر وأن نشيد بهذه الظاهرة الديمقراطية النادرة الحدوث في منطقتنا العربية والإفريقية، ومن حقنا أن نفرح بها خاصة وأننا نعيش في منطقة من العالم نَدُر فيها حدوث انتقال سلمي على السلطة، بل إن بعض بلدان هذه المنطقة ما تزال تعيش اليوم حروبا وفتنا داخلية بسبب عدم تمكنها من تحقيق مبدأ التناوب السلمي والسلس على السلطة.
من حقنا في هذه البلاد أن نفرح بهذه الظاهرة الديمقراطية النادرة الحدوث، ولكن علينا أن نضبط مستوى فرحنا هذا، وذلك حتى لا ننسى حجم التحديات الهائلة التي تهدد المسار الديمقراطي في بلادنا.
ومن هذه التحديات يمكننا أن نذكر:
1 ـ أننا كنا قد عشنا في يوم 19 إبريل من العام 2007 حدثا مماثلا اعتقدنا بأنه كان سيشكل نقطة تحول في ديمقراطيتنا المتعثرة، فإذا بنا نستيقظ ذات صبيحة أربعاء (6 أغسطس 2007) على انقلاب عسكري على الرئيس المنتخب.
2 ـ أن انتخابات 22 يونيو حدثت في ظروف سياسية غير توافقية، وأن الإعلان عن نتائج تلك الانتخابات قد صاحبته اعتقالات واستنفار أمني غير بريئ، هذا فضلا عن رفض المترشحين الخاسرين الاعتراف بتلك النتائج رغم عدم تمكنهم من تقديم أدلة مقنعة على حدوث تزوير أثر جوهريا على تلك النتائج.
3 ـ أننا في هذه البلاد، وعلى الرغم من تألقنا الديمقراطي بالمقارنة ببعض دول المنطقة، إلا أننا ما نزال نعيش تخلفا كبيرا في مجالات عديدة كما هو الحال مع الصحة والتعليم والتشغيل والبنى التحتية ومحاربة الفقر...إلخ
لا أريد أن أكدر صفو يومكم المشهود هذا ببسط وتعداد التحديات التي تواجهها بلادنا، ولذلك فسأختم هذا المقال بتحريف بسيط لكلمة عربية قديمة: اليوم فرح وغدا أمر.
حفظ الله موريتانيا..