قبل أي شيء أريد التأكيد أننا نجد أصولنا في الواقع التاريخي و اليومي في نضال ومخاطرة النساء المتعددات هنا، البيظانيات و الحرطانيات و المعلمات و الزنجيات و تيكواتن داخل النظام الاجتماعي، و اللائي خاطرن و يخاطرن بأنفسهن لأجل البقاء والتحرر. لطالما كان تواجد النساء و تجلي حضورهن يقف موقفًا خصوميًّا من المؤسسات القمعية للنظام الأبوي.
تتشابك الحركة النسوية الموريتانية في أوضح تجلياتها مع النسوية العربية و الإفريقية والعالمية. من حيث الأطر النظرية و الفلسفية لفهم الواقع و تحليله. إنها، حركة ذات تاريخ طويل.
ثلاث مواقف أساسية للحركة النسائية، (1) موقف واع في معارضة الافتراء الذكوري و إساءة معاملة النساء، و المعارضة الراديكالية لكره النساء. (2) الاعتقاد بأن الجنسين قد يتكونان ثقافيا، و ليس فقط بيولوجيا، و الاعتقاد بأن النساء كن فئة اجتماعية تشكلت لتناسب الأفكار الذكورية عن جنس ناقص، مثال: الحديث النبوي(مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ”). إذا “يجب إقناع المرأة بأنها إنسان ناقص”
(3) وجهة نظر تسمو على أنظمة القيم المقبولة أنذاك عن طريق كشف الإجحاف و التضييق و معارضتها، و الرغبة في مفهوم عام حقًا للانسانية*
و لأننا نأخذ النسوية الإفريقية كمرجعية و امتدادا لنا: حيث انبثق عن المنتدى النسوي الأفريقي “ميثاق المبادئ النسوية للنسويات الأفارقة” السنة الماضية و الذي تضمنت ديباجته:
نحن نعرف ونسمي أنفسنا علنيا “نسويات” لأننا نحتفي بهويتنا وسياساتنا النسوية. وندرك أن العمل على النضال من أجل حقوق النساء هو في العمق- مسألة سياسية، وعملية التسمية هي شأن سياسي أيضًا. واختيارنا لتسمية أنفسنا “نسويات” يضعنا في موقع أيديولوجي واضح. وبتسمية أنفسنا “نسويات”، نقوم بتسييس النضال من أجل حقوق النساء، ونسائل شرعية البنى التي تُبقي على خضوع النساء.
و لأن النسويات في نضالهن ضد المنظومة الأبوية و روافدها يتطلب منهن ابتكار و خلق أدوات للمواجهة و الفهم و التحليل و التفكيك النظري كأول خطوة للممارسة الواقعية، ذلك ما “يضع أبنية العلاقات الاجتماعية الأبوية المترسخة في أبنية قمعية و استغلالية أخرى في صلب “معركتنا” فالأبوية هي نظام للسلطة الذكورية، يعطي الشرعية لقمع النساء من خلال المؤسسات السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و القانونية و الدينية و العسكرية.
فهدم كل مؤسسات المنظومة الأبوية، المبنية على هرمية تسلطية تؤسس لخضوع النساء و تفوق الرجل و حيازته للحق المطلق على النساء، و امتلاكه لرأسمال اقتصادي و اجتماعي و ثقافي يحميه و يكرس تبعية المرأة له من أولوياتنا. فنحن نسعى لتحرير المرأة من كل الادوار القمعية المعيقة لتقدمها و التي تبقي على مكانتها الدونية في الأسرة و المجتمع و الدولة، لكننا لا نخلط بين الأدوار الجندرية و البيولوجية لتكوين المرأة و الرجل، إلا أننا نقف أمام إجبار النساء على لعب الادوار البيولوجية مثل الأمومة و التربية كدور وحيد و حتمي و مفروض و خارج عن إرادة المرأة الحرة و حقها في تملك جسدها و التصرف فيه بسبب تقديس الأسرة الأبوية، كمؤسسة تمثل أولى مراحل إعادة انتاج السلطة و القمع، عن طريق تهميش دور النساء و حرياتهن في تحديد ادوارهن داخل المجتمع خارج نظام الزواج/الأمومة، فعدم تكافؤ القوى الذي تأسست عليه الأسرة في المجتمع الأبوي و بقاء النساء هامشيات في مكان يسمح باضطهادهن هو السبب في رفضنا لها.
لكننا في المقابل نسعى من أجل التأسيس لأسرة تمنح الحرية و المساواة التامة بين الطرفين، دون تبخبس أو تحقير أو اضطهاد أو هيمنة.
و لقد كان هناك اعتقاد سائد حتى وقت قريب أن العائلة منذ القدم قائمة على السيادة الأَبوية، أو ما عرف بالمجتمع الأبوي، إلا أن هذه النظرية تفككت أمام النقد العلمي؛ فقد تبين أن هناك أشكال أكثر قدما للعائلة ترتكز على قوامة المرأة.
حيث أن عاطفة الأم لأولادها وعاطفتهم نحوها هي العاطفة الأصلية الوحيدة، وما تبقى من عواطف فهي مجرد عواطف مكتسبة مع الوقت.
غير أن النسوية ليست المقابل المطابق للأبوية، حيث لا تسعى لعكس أدوار السيطرة، إنها تطالب بالمساواة و تحطيم كل القوالب و النظم التي تخلق و تبقي على الاضطهاد و منح الامتياز لأي جنس على حساب آخر. بل بمنح مكانة متساوية للجميع.
إننا نحتاج قبل شيطنة النسويات و النسوية أن ننظر إلى واقع النساء لفهم مواقعهن و الدور الممنوح لهن، والسياق الذي يصنع ذلك الدور و يعيد إنتاجه و تقديسه والدفاع عنه، و السعى للبقاء عليه كحتمية. حتى و إن حصلت بعض النساء، من طبقة اجتماعية واقتصادية معينة، على امتيازات تبقى مشروطة و محددة تقيدهن أكثر مما تمنحهن حق الاعتراف بهن كذوات إنسانية.
من هذه الزاوية يمكن فهم ما تقوم به النائب”ة” زينب بنت التقي، بوصفها إحدى المستفيدات من الامتيازات الأبوية التي تمنح للمهادنات و القابلات بواقع الاضطهاد، الراضيات بالفتات، المهادنات و الخائفات من الممواجهة.
إن النائب”ة” زينب بنت التقي تنتمي إلى فئة اجتماعية تجعلها في موقع المقموعة دائما، حيث تُعطى فُتاتا من الحقوق يسمح لها بمساحة قليلة تتحرك فيها، لكن في حال تجاوزت السلوكيات أو المعايير الخارجة عن الهرمية الأبوية، أو حاولت الكف عن إنتاجها، يصبح موقعها لعنة، وتصبح منتهكة و مهددة و مجردة من فتات الحقوق، و هي حقوق سطحية نوعاً ما إذا ما قمنا بمقارنتها مع ما يتمتع به رجال هذه الطبقة.
النائب”ة” زينب بنت التقي تحاول المحافظة على موقعها من خلال الهجوم على النسويات، لكنها حركة مكشوفة.
إنني لا أبحث عن عذر لها من خلال هذا التحليل، فهي عدوة لي و لكل نساء موريتانيا في كل مواقع القمع و الاضطهاد، حتى تنظر في موقفها من قضيتنا، لقد أساءت النائب استخدام موقعها داخل البرلمان عن كوتا النساء، و يا للغرابة، لرفض و تشويه مطالبنا و وقوفها أمام تشريعات في صالحنا؟!
قد قادت حملة شعواء على مشروع قانون النوع و قانون الصحة الإنجابية، و دعت إلى رفضهما بحجة أنهما يتعارضان مع الدين الإسلامي، أو مصالح الأبوية على الأصح، و عندما جلسنا معها في أحد مقرات حزبها لنقاش مكامن التعارض لم نجد شيئا يمكن الانطلاق منه أو الاستناد إليه غير عموميات، مثل قيمنا في خطر، أو أن كذا لم يحدث في عصر النبي (ص) متجاهلة اختلاف السياقات الثقافية والاجتماعية و متغيرات العصر.
تصر زينب بنت التقي على تنكرها للنساء و حقوقهن البديهية، وتحاول بكل الوسائل إشغال الرأي العام بنقاش الهوامش د، وضمن ذلك يدخل المقال المسحوب من موقع إسلام ويب، والذي يخلط بين كل الحركات النسائية و النسوية وحركات التحرر الجنسي التي ظهرت في منتصف ستينيات القرن الماضي، في الوقت الذي ظهرت النسوية كحركة اجتماعية وسياسية تدعو إلى حصول النساء على حقوق الاجتماعية و السياسية و القانونية، و إلى فرص متساوية لتلك التي يمتلكها الرجال في القرن الثالث عشر، والتي تضم مختلف الأيديولوجيات والنظريات.
و اكفنا شر الذكوريات.