تجربتي مع اللجنة المستقلة للإنتخابات /بقلم الأستاذ محمد محمود ول خوي

ثلاثاء, 16/05/2023 - 09:15

يوم الخميس الثاني عشر من أبريل، قدم إلينا الرجل المحترم الكريم محمد غالي جالو في وقت ما عهدناه يأتينا فيه، وقت قائظ بين الظهرين.
كنت أول من لقيه من القوم، وتبادلنا التحية والسلام، وسألني عن بقية الزملاء وأخبرني أن هناك أمرا مهما يود إطلاعنا عليه بتكليف من حاكم المقاطعة.
لم يكن الأمر أكثر من تسجيل أسماء المستعدين منا للاشتراك في إدارة مكاتب التصويت في العملية الانتخابية المقررة في الثالث عشر من مايو.
سجل ستة من طاقم المؤسسة أسماءهم، لتتصل اللجنة الانتخابية بثلاثة منهم لاحقا وتطلب أرقامهم الوطنية، ثم تعيد الاتصال بهم ثانية للمشاركة في تكوين جرى يوم الأحد 07 مايو، وافتتحه المنسق الجهوي للجنة على مستوى الولاية.
ورد في الاستدعاء أن التكوين سيبدأ عند الساعة الثامنة والنصف.
انطلقت وزميليَّ ومدير مدرسة ابتدائية و وصلنا قبل الموعد الرسمي بنحو ساعة، بينما تأخر الانطلاق عنه بنحو ساعتين.
كان الانطلاق بالنداء بأسماء رؤساء المكاتب واحدا تلو الآخر، حتى دخل جميع الحاضرين منهم حجرة متوسطة السعة، مرفوعة السقف، كبيرة النوافذ، وبقي الأعضاء الآخرون ينظرون من النوافذ وتملأ أصوات أحاديثهم الرحاب.
في هذه الأجواء حضر المنسق الجهوي وقضى حوالي 27 دقيقة مع الرؤساء.
قبل أن ينتهي منهم، وبينما كان الأعضاء (ضعف عدد الرؤساء) ينتظرون أن ينادى بأسمائهم، سيقوا كما يساق قطيع من المعز (الإناث) والكباش (الرجال) إلى حظيرتين من ذات فئة الحجرة التي نودي إليها الرؤساء.
بدأ الرئيس ومرافقوه بالحديث إلى الأخوات وقضوا معهن تقريبا ربع ساعة، ثم انطلقوا إلى الحظيرة الأخيرة، وحضر إليها:
- المنسق الجهوي
- الممثل المقاطعي
- مساعد للمنسق مكلف بالمجتمع المدني
- موظفان بالممثلية المقاطعية
تحدث المنسق حديثا محترما باللهجة الحسانية حول أهداف زيارته، ثم ترجمه إلى اللغة الفرنسية، ثم أحال الكلمة إلى مساعده الذي ألقى كلمة مختصرة باللغة البولارية، واستغرق مجموع الكلمات نحو سبع دقائق.
انفض المجلس وانزوى المنسق ناحيةَ إدارة المدرسة وصرح لشخص يحمل ميكروفونا عليه شعار الإذاعة الوطنية.
ثم انصرف. 
انتهى كل ذلك في حدود الساعة الثانية عشرة، ليطلب من غير رؤساء المكاتب الانصراف حتى الساعة الرابعة، ويتلقى الرؤساء تكوينا إلى حدود الساعة الثانية زوالا مع الموظفين سالفي الذكر في الممثلية المقاطعية للجنة الانتخابية.
لم ينطلق التكوين المسائي المخصص للأعضاء إلا عند الخامسة وبضع وعشرين دقيقة، لحظيرة النساء المَسُوقات ابتداء دون نداء ولا أي تحقق من الهوية من أي نوع، ولذا استحققن كأصحابهن صفة القطيع واستحقت القاعتان اللتان حوتاهما صفة الحظيرتين.
عند الساعة الخامسة وثمانية وخمسين انطلق التكوين المخصص لحظيرة الرجال.
بدأه أحد الموظفين، وكان مهذبا محترما، يلقي نصائحه وتوجيهاته اعتمادا على مكتوب في هاتفه، وقد تضمن كثيرا من التنظير ويسيرا لا يكاد يلاحظ من الشق التطبيقي.
بعد نحو نصف ساعة من حديثه - ربما كان على وشك النهاية- دار بينه وبين أحد الأعضاء نقاش وجدل طويل حول نقطة، تتعلق تحديدا بوجود بطاقة التصويت في غير صندوقها، حيث يصر المكوِّن على ما قررته اللجنة بشأنها، بينما يقدم المكوَّن فرضية اعتراض ممثلي الأحزاب عليها.
كان خلافا بسيطا، لكنه كان حدا للتكوين توقف عنده، لتوزع قصاصات على مختلف أنحاء الحظيرة ليكتب فيها القطيع أسماءه.
لاحقا سأل المكوِّنُ كل شخص عن وظيفته، وكان من أبرز الوظائف التي قدم بها الحاضرون أنفسهم: (مدير مدرسة، معلم، أستاذ، تيفاي -هكذا قدم نفسه-، تاجر، تيرنو، مسيّر، طالب، تلميذ سابق -قدم بها شيخ كبير نفسه باللغة الفرنسية-...).
ثم أجاب هو وزميله الآخر الفرنسي التكوين المهني، على الأسئلة، لينفض الجمع دون أن تتكلف اللجنة فينا سوى البنزين الذي تحركت به سياراتهم من حيث كانوا يوجدون إلى المدرسة التي كونونا فيها، أما نحن فلم يتحملوا من أجلنا ولو شربة من ماء، وإنما ضربوا لنا موعدا الخميس الموالي.
ظهر الأربعاء الموالي اتصل بي موظف في اللجنة يطلب مني الحضور إلى مقرها قبل الساعة السادسة من مساء نفس اليوم.
- "أنا في تولل"، أجبته؛
- "تولل، أليست على الطريق المعبد؟" رد؛
- كلا، بل هي في الاتجاه الآخر المؤدي إلى سيلبابي؛
- طيب؛ زرنا غدا.
وصلت مقامة صباح الخميس عند الساعة الثامنة رفقة زميليَّ، وزميل لي آخر أنهى جدوله الأسبوعي وذهب ليدلي بواجبه الانتخابي في مركز التصويت المسجل به.
تناولنا وجبة الفطور في مطعم بمحطة المسافرين في عاصمة المقاطعة، ثم توجهنا إلى مقر اللجنة الانتخابية، وذكرتهم باتصالهم بي في اليوم السابق، فقالوا لي إنهم يريدون فقط رقمي على الواتساب بغية مراسلتي وإضافتي لمجموعة على التطبيق نفسه.
وأما زميلي فطلبوا منهما العودة في المساء.
عدنا إليهم بعد أن صلينا الظهرين، ومكثنا حتى ما بعد صلاة المغرب، فطلبوا من الرؤساء البقاء ومن بقية الأعضاء الانصراف إلى الساعة العاشرة من يوم الجمعة.
طبعا لم يحدث أي شيء في صباح الجمعة، وإنما تعب من حضروا دون طائل من وراء ذلك. 
في المساء بدأ الجميع يتوافدون على مقر اللجنة ابتداء من صلاة العصر، وكانت شاحنات تابعة للجيش قد حضرت قبل ذلك إلى عين المكان محملة بعدد كبير من الأفراد، وأغلق أفراد من الحرس الوطني الباب الرئيسي للسياج التقليدي المحيط بمقر اللجنة. 
دعي أعضاء مكاتب التصويت في أقصى بلدية بالمقاطعة، ثم الأقرب فالأقرب، ابتداء من الساعة السادسة مساء وحتى الثانية ليلا، ليبدأ بعد ذلك استدعاء مكاتب عاصمة المقاطعة.
شد انتباهي، وكان غريبا جدا، أن لائحة أعضاء المكاتب كان ينادي بها حرسي يقرؤها من ورقة عليها رأسية حزب سياسي (حزب الإنصاف تحديدا)، والمفروض أن اليوم يوم صمت انتخابي من حيث الزمان، وأن المكان اللجنة المستقلة والموجودة على مسافة واحدة من كل الأحزاب في كل التفاصيل الشكلية والجوهرية.
كما لفت انتباهي عزل رئيس مكتب تصويت في بلدة نائية مساءً نظرا لاعتراض طرف سياسي عليه بحجة أنه طرف ولا يصلح لأن يكون حكما، وقبول اللجنة بالاعتراض مساء، لتدسه في الليل على رأس مكتب بإحدى عواصم البلديات.
كنا من آخر من أفرجت عنهم اللجنة من المنحشرين منذ العصر في الساحات المحاذية لساحتها، وكان الإفراج عنا بعد أن زادت الساعة الثانية ليلا.
وصلنا على متن سيارة مرسيدس من نوع 200، إلى البلدية التي سنمثل فيها اللجنة الانتخابية، فوجدنا القسم المخصص لمكتبنا من المدرسة، ممتلئا بالمقاعد المدرسية، وهنا تبدأ العبودية.
أزحنا المقاعد، وبسطنا الستار في مكانه، وهيأنا مقاعدنا، ومقاعد ممثلي الأحزاب، ورفعنا الصناديق على مقاعد وألصقنا على كل صندوق اسم الفئة التي يقترع عليها فيه: (البلديات، الجهويات، النيابة المقاطعية، اللوائح الوطنية المختلطة وللنساء والشباب).
وكان هناك من العشاء صحنان كبيران من "باسي" معهما صحنان أصغر "من هاكو" ومثل عدد الأفراد من علب لبن الوردة "روز".
نمنا سويعة أو اثنتين هما ما بقي من ليلتنا، ثم استيقظنا صباحا باكرا، وصلينا فرضنا، وشرعنا في تفقد المتبقي من تجهيز المكتب، و وزعنا الأدوار، واستقبلنا ممثلي الأحزاب ودللناهم على الأماكن المخصصة لهم بعد تسلم اعتماداتهم والتحقق من هوياتهم، لتبدأ أول عملية تصويت عند الساعة السابعة تماما.
استمر التصويت دون فتور حتى حدود الساعة الثالثة لنتوقف من أجل الصلاة والفطور.
كانت وجبة الفطور عبارة عن إناءين في كل منهما بصل وشيء من لحم قليل.
استأنفنا استقبال المواطنين الذين كانوا ينتظروننا، ولم نبطئ عليهم نظرا لأن الصلاة لا تأخذ وقتا كبيرا (5 دقائق بالنسبة لأواسط الناس خشوعا) ولأن الانقضاض على الطعام الموفر لنا يحتاج وقتا أقل.
استمرت عملية التصويت إلى حدود الساعة السادسة، ثم توقفنا لأداء صلاة العصر وتناول وجبة الغداء، التي كانت أحسن قليلا، حيث كانت صحنين أحدهما من أرز ولحم والآخر من أرز وسمك أم وابن (ياي بوي).
ثم استأنفنا و واصلنا حتى آخر مصوت، انتهى من الإدلاء بصوته في حدود الساعة السابعة وسبع وثلاثين دقيقة.
شد انتباهي أن ممثلي الأحزاب الحاضرين معنا كانوا على مستوى عال من الوعي واليقظة في الدفاع عن حقوقهم ورفع الصوت عند كل شك، فمن اليسير عندهم أن يقولوا لأي ناخب: أنت لست أنت؛ أو أرنا بطاقتك لنتحقق...
بعد أن انتهت عملية التصويت وأدينا صلاة المغرب، شرعنا مباشرة في الفرز، ولم ننته منه إلا في حدود الساعة الثانية ليلا.
كان التنافس قويا بين حزبي الإنصاف والإصلاح على البلدية، فيما لم يكن هناك تنافس يذكر في بقية اللوائح، إلا ما كان بين البطاقات اللاغية وحزب الإنصاف، مع تفوق مريح للاغية أحيانا وحضور بصوت لمختلف الأحزاب تقريبا، إلا أن أكثر ما تكرر هو عبارتا "الإنصاف" "لا شيء" والأخيرة باللغة الفرنسية.
ثم شرعنا في كتابة المحاضر، وانتهينا من آخرها مع طلوع الفجر، لكن حزم الأمتعة والتهيؤ للانصراف أخذ بعض الوقت.
ومما حدث لنا أن ممثلي المترشحين وأقاربهم احتجزونا وقتا طويلا نسبيا، وهدد بعضهم تهديدا صريحا، وذلك من أجل الحصول على المحاضر التي لم تكن تكفي لتغطية عددهم، مما استدعى تدخل العسكريين المكلفين بتأمين المكاتب وتمهيد الطريق وسحب الصناديق إلى السيارة دون مقاومة كان بعض محتجِزينا قد هددونا بها.
انطلقنا إلى مقامة ولما وصلنا مقر اللجنة، استوقفنا أفراد الأمن، وأنزلوا القطيعيين (أنا وعضو المكتب الآخر) وأذنوا للرئيس والعسكريين والسائق بالدخول.
بعد فترة انتظار في الشمس مع إرهاق شديد وأرق طويل، انطلقت إلى منزل كنت ضيفا على زملائي فيه و وجدته مغلقا، ثم عدت إلى مقر عملي (ثانوية تولل)، وراسلت اللجنة بشأن حقي دون رد، 
وليس لي رقم رئيس مكتبي الذي دس على رأس المكتب في اللحظة الأخيرة بعد استبعاده في وقت سابق بعدما احتج عليه سياسيون بأنه طرف ولا يصلح لأن يكون حكما.
والخلاصة أن العبودية درجات، وعبودية "سيني" اختيارية، وأنا لن أختارها في المستقبل إن شاء الله، ولا أنصح أحدا باختيارها، فبعيدة كل البعد خدمة الوطن من توفير مبالغ على جيوب مسيرين آخر ما يهمهم كرامة الإنسان. 
محمد محمود أحمدو 
عضو المكتب رقم 001 - مدرسة ضو - مقاطعة مقامة