مدننا الميتة

اثنين, 11/11/2019 - 08:54

في كل دول العالم، يشقون الطرق نحو المدن القديمة، يُحيونها، ينفضون عنها الغبار، يطورون الخدمات بها، ثم يُقدمونها للعالم إعلاما و إعلانا، فيتدفق عليها السواح من كل فج عميق، لينعم أهلها، و يزدادوا حفاظا على مناطقهم، و فخرا بها، و تطويرا لها، دون حتى تدخل مباشر من الدولة.

عندنا..

نغني لها، نكتب لها الأشعار، نجمع لها التفهة، يخطبون بصوت خشن، و كلمات مرطِّبةٍ، نسخر منهم، نضحك عليهم، ثم ننشغل بخطاب الرئيس، و نُعجبُ بقدرته على تقويم آية قد يحفظها صبي، 
- و لا أدري ما علاقتها بقدرته على الحكم- ، نثني على ملابس الوزيرة، ننتفضُ لحرية التعبير، حين تصطدم بعائق!!

عند خط المأساة، يؤوبُ الجمعُ المُتخمُ بلحمِ الضأن، المتسخ بغبار الرباعيات، المُحملُ بصور الموسم، نحو عاصمة الأوساخ، و تبقى المدن القديمة ملتفة بالظلام، في انتظار موسم آخر، في انتظار أضواء الكاميرات البراقة، و زحفِ الرباعيات، نصبِ الخيام، مواعيد غرامٍ على كثبان عذراء، هدر الأموال، صور اسناب، و منشورات المدعوين على حساب العجزة و المرضى و من لا مأوى له، ثم لا يتساءل أحد، ما الهدف من هذا، أين النتيجة، بمَ عادت الأموال المهدورة على الصراخ و التطبيل و الشعر و الشعراء و المدونين و الفكاهيين و الممثلين و الراقصين؟

اضحكوا فكل مواسمكم ضحك، صفقوا فالمواسم صدى، اسخروا فالسخرية متاع، ثم حين الجِد..ما لكم و الجِد، أنتم مهازل تلد مهازلا، و شوارب تنام على شفاهِ الوطن الأمرد.

ليست في موريتانيا، مدن قديمة، هذه مدن ميتة، ما دامت لا تحيى إلا للحظات، ترى فيها وجوهَ مُغتصبيها، ثم يرحل صدى صرختها، لموسم الجِماعِ المقبل، و لا منقذ.

أنتم تُلوثون بكارة الأشياء.
صلاح الدين الجيلي