الى السيد وزير الصحة

أحد, 10/11/2019 - 15:09

لن أدخل عليك اليوم كما دخلت عليك ذات صباح من سنة 1981 في الغرفة الصغيرة في دورتوار (ليسى ناسيونال) في أول يوم من أيام البكالوريا ، عندما رجعت أنا وعبد الجليل من بوابة الثانوية العربية حيث سنجري امتحان البكالوريا ، لسنا ندري أي هاجس دفعنا إلى العودة إليك خشية أن تكون نائما فتتخلف عن مادتك الرئيسية في الباك ، مركز الثانوية الوطنية ...و وجدناك تغط في نوم عميق و الغرف خالية إلا من ماعز الحارس تلتقط بقايا غير مصنفة من فتات مأكولات التلاميذ ...لا ، ولن نمشي معا إلى أول استديو تصوير في ألاك قرب دار الشيخ ولد مكي في حي مدينه شرق دار التلميدي ولد سيد حرمه ، استدو diwara لننقده أربعين أوقية ليصورنا ، في يدي مفتاح و في يدك دفتر ، و ظلمتنا الشمس التي كانت وسيلة إضاءة كاميرا "جاوارا " فظهرنا في الصورة كطفلين من ضحايا المجاعة في الصومال ، قد لا تتذكر هذه الأشياء التافهة ، فانتم الأطباء تعيشون في امبراطوريات الأوجاع و الآلام ، بين أحياء الجراثيم و عصاباتها المستعصية على التطويع ، و مدائن الفيروسات المستوطنة مساحات البشر اغتصابا ، فأنى إذن تحتفظون بتفاهات الماضي السحيق التي لا تساعد في تضميد جرح أو تسكين ألم ...
السيد وزير الصحة لن أقول إنك تكره التسمية و اللقب ، فقد جبل الإنسان على حب الرئاسة و الجاه و المال ، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما استجاب لطلب المسلمين بالتخلي عن بعيره و مرقعته ليظهر في صورة تليق بمقامه وهم في طريقهم إلى القدس ، و النصارى أهل أبهة وللقياصرة حلل راقية و تيجان مرصعة بالذهب ، قال وقد ركب جواد ا كريما و لبس حلة بيضاء : كدت أدخل النار ، فما إن تمايل بي الحصان حتى شعرت بالزهو و الكبر ، فأسقط نفسه و قال : إلي بمرقعتي و بعيري...
لا شك أن تسمية أحدنا وزيرا ستدخل أشياء جديدة في حياته ، و سيستجيب راغبا و مكرها على تقبل الواقع الجديد ، لن أتحدث عن مواكب المهنئين صادقين و كاذبين ، لن أتحدث عن المعاملة الجديدة التي سيعيشها أطفاله "أبناء الوزير" في المدرسة و بين الأصدقاء ، سيطال اللقب الزوجة فتصبح حرم الوزير ....وغير ذلك من تفاهات التعيين في بلاد المليون المتزلف ..
سيركب سيارة وزير، سيسصبح له حارس، سيسير في موكب كلما قام بنشاط ، سيسمع اسمه كثيرا في وسائل الإعلام ، سيجلس في قاعة مجلس الوزراء و يراه الناس في وسط حكام البلد ...لكن في بلداننا أهل العالم الأخير كل تسمية هي استرقاق ...الوزير منا عبد للسلطان و لحرم السلطان و لابن السلطان و لعشيرة السلطان و لقبيلة السلطان ، و لعشيقة السلطان...أما الكفاءة و الوطنية و الأمانة فمدية يذبح بها السلطان ضمير الأمة لتأكل الجيفة تحت شعار "مذبوح على الطريقة الإسلامية"

عهدي بك غبر آبه بهذه الأشياء كلها ، أما و قد كان ما كان فالله الله في الأمانة ...هي فرصة إن أحسنت استغلالها نلت أجرا كثيرا ، سيكيدون لك كيدا ، ستحارب و تحاصر ، سيمارسون عليك الإرهاب بكل مظاهره ، سيشوهون صورتك ، سيدنسون سمعتك ، لا يفاجئك إن قالوا إنك تلقي نتانياهو أو إن لك علاقة بداعش ...نحن أمة بلا حدود...
السيد الوزير.. صحة الناس بين يديك ، و قتلة البشر و باعة الموت يصولون و يجولون أباطرة في ميدانك ، فيهم من "يبكي " من خشية الله . و فيهم من يصوم رجبا و شعبان و رمضان . ويعتمر في رمضان و يعتكف في البيت الحرام ، لا تستغرب هؤلاء نحن أيها الوزير ! نطيل اللحى و نغتصب القاصرات !!
يحكى أن عصفورا تهيب غديرا لوجود أطفال ، فلما غادروا جاء شيخ طويل اللحية فظن العصفور به خيرا فنزل ليشرب ، لكن الشيخ رماه بحجر ففقأ عينه ، فشكاه العصفور إلى سيدنا سليمان ، فأمر سليمان بالقصاص أي أن تفقأ عين الشيخ ، فقال العصفور على رسلك يا نبي الله ! عينه بريئة الذي فقأ عيني هي لحيته ، خدعتني ، خدعتني لحيته ...
مع الأسف تظهر لحى بعضنا ما لا تحلب .....
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تجربوهم بصلاة و لا صيام فهاتان عبادتان يلزمهما البر و الفاجر ، لكن جربوهم بالدنانير و الدراهم....
و قال للرجل الذي جاءه بتفاحة و قال لقد وجدتها في الطريق يا أمير المؤمنين ، قال عمر : كلها يا صاحب الورع الكاذب ...ربما أدرك أنها لو كانت ذهبا لالتف عليها...
السيد الوزير : لديك ظهير من قوانين سبقتك ، و هبة شعبية لدعم محاربة تسويق الموت و الوجع باسم الصحة ، فهل تقبل أن يظل دور الطبيب هو التوقيع على جواز السفر من مدينة الأحياء إلى مدينة الأموات ...
اصبر و رابط و اعلم أن أي تهاون هو مساهمة منك في قتل نفس بغير حق ، استعن بالله و ثق بالله و توكل على الله ، فإن فعلت انتصرت و هان عليك أمر هؤلاء و أراكهم الله أقزاما بلا حول و لا قوة ...سيوسوس إليك بعض شياطين الإنس من خاصتك و أهلك و أحبائك ...سيقولون لك إنك تنطح الصخر ، و إنها بلوى عامة ميؤوس من تصحيحها ...و إن عليك نفسك لا يضرك من هلك ...نعم عليك نفسك بالتزام دينك و أداء أمانتك...احذر المثبطات تفلح ، و إياك أن تستقيل فهي في مثل حالك كالتولي يوم الزحف و لعلك تدرك ما ينتظر المتولي يوم الزحف من عذاب و غضب و فضيحة في الدنيا قبل الآخرة...مهما كان الضغط و مهما كان مصدره فأنصحك لله أن تمضي فيما تنوي من تصحيح و ضعية هذا القطاع الذي ترتبط به حياة الناس و صحتهم...فإن كان من ولاك صادقا تركك و شأنك و إلا فدعهم يجردوك تكن شهيد ضمير...و أقول لك ما قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين لابنها عبد الله بن الزبير ابن العوام لما حاصره الحجاج ، قال يا أمه إني أخشى أن يمثلوا بي إن قتلوني ، فقالت له إن الشاة لا يضرها أن تسلخ بعد ذبحها ، و أمرته أن يمضي في حقه إن كان يرى أنه على حق و إن كان غير ذلك فقد هلك و أهلك من مات معه ، وقالت أريدك منتصرا قائما بحقك أو شهيدا أحتسبه عند الله...فأجابها إنه و الله ما خاف و لا ولى لكنه كان يخشى أن يؤذيها بموته....
و لعلك تذكر أننا لم نلتق منذ عقدين من الزمن أدام الله علينا عافيته ، و أبشرك أنني آليت من السياسة منذ زمن طويل فلا تحل لي و لو نكحت رجلا غيري، فو الله لن آتيك حين يقترب الموسم في وفود المهاجرين و الأنصار و المنافقين...تحياتي...

 المرتضى محمد أشفق