قبل الإفاضة من عرفات !!

سبت, 10/08/2019 - 15:37

وقف ملايين الحجيج اليوم بعرفات الله، في ركن الحج الأعظم، نسأل الله تعالى أن يتقبل منهم ويقيلهم من ذنوبهم؛ كما نسأله تعتلى أن يرحم من شاركهم مشاعرهم وهم عاى جبل الرحمة، بالوم ابتغاء مرضاة الله، وطمعا في تكفير  ذنب السنة قبلها والسنة بعدها.. آمين.

أما بعد، فقد انتهى ميقات صوم يوم عرفة هذا العام..... نقطة...حيث لن يوجد يوم عرفة قبل مرور عام كامل، فلا وجود لصوم يوم عرفة، خارج الميقات الزماني والمكاني معا؛ فكلمة "صيام يوم عرفة" تقتضي لغة، وطبعا، وشرعا، صيام اليوم الذي يؤدي فيه الحجيج ركن الحج الأكبر!!
 في الماضي السحيق، يوم كانت المراكب حيوانات، وكانت معجزات مراكب البر والبحر والجو فائقة السرعة، خيالا كأحلام الجنون، وكانت كلمة "الهواتف" جنا يجلسون من السماء مقاعد للسمع؛ في ذلك الماضي السحيق لم يكن المستطاع لسكان المناطق من العالم المتنائية بعضها عن بعض، معرفة مدى تطابق أو تباين بدايات الأهلة، فكان الفقيه يفتي بصيام التاسع من ذي الحجة، برؤية بلده، وهذا هو مقتضى الشرع في تلك الحالة، وكانوا إذا عاد الحجيج بعد عام أو عامين سألوه عن يوم عرفة أي يوم كان،؟!

  الأمر نفسه كان يحدث مع بدايات الاهلة، فكان لكل أهل بلد رؤيتهم، لتعذر الاطلاع على رؤية جامعة؛ ولذلك لم يقع توحيد الرؤية في التاريخ السحيق، لاستحالة النواصل مع تنائي البلدان، حيث لو رأى أهل الحجاز  الهلال، مثلا، فبعثوا من يخبر  أهل الاندلس، لمكث رسولهم في الطريق ثلاثة أشهر كاملة، لذلك اساحال عموم الرؤية عمليا، مع أنه الرأي الشرعي الراجح في اعلب المذاهب، يومئذ.

في ظروف كتلك أضطر الفقهاء رحمهم الله، إلى مواجهة تلك الإكراهات بالمستطاع،  وتلك هي المهمة المقدسة لعالم الدين الحقيقي، والمستطاع في تلك الظروف ان يعتمد أهل كل قطر رؤيتهم، وأن يصوم الناس يوم التاسع من ذي الحجة، برؤيتهم، التماسا لموافقة يوم عرفة؛ ومن هنا نشأت أسئلة من قبيل: "هل المعتبر في صوم عرفة الزمان ام المكان أم هما معا"؟ وتعددت الإجابات بتعدد الأسئلة.

تلك الفتاوى المتقدمة التي مثلت يومها دينا للعامة، هو أحسن المستطاع  لم تعد اليوم بتلك المكانة فهي فتاوى اجتهادية في مواجهة واقع معيش يومئذ، لكن ذلك الواقع انقرض وأصبح الحديث عن الفتاوى المتعلقة به حديثا عن تاريخ تعاطي العلماء مع أوضاع الناس بمنظار ديني، لكن الناس المعنية بتلك الاوضاع، والاوضاع نفسها، كل ذلك انقرض وما عاد دينا اليوم...

إننا اليوم نتابع من غرف نومنا كل قول او فعل او ظاهرة تجري في اي ركن من اركان الارض، ونتقاسمها في اللحظة نفسها، وبكل ابعادها وتجلياتها، مع القوم الذين حدثت بينهم، سواء بسواء؛ فإذا كنت تتابع على شاشتك الصغيرة والكبيرى، جموع الحجيج في نظرتهم إلى عرفة، وفي إقامتهم منه، فبأي منطق تستغني أصحاب القبور كن القرون المنصرمة، عن عرفة، أهي زمان أم مكان؟
 إن لرؤية التي يقيم عليها ملايين المؤمنين ركن الحج الاكبر، هي أعم وأشمل وآكد من أي رؤية جزئية أخرى، وقد عبر العالم الإسلامي حدود الإكراهات التي أنتجت الفتاوى المرفقة اضطرارا، فبات عليه أن يعود إلى نصوص الوحي المنزل من عالم الغؤب، ويحكم بها مفردات عالم الشهادة الذي اختلف كثيرا عما ألفه الآباء والأجداد.

تبقي مشروعية اعتماد الخطوط السياسية الوهمية التي رسمها سايكس وبيكو، أو مؤتمر برلين، لتحديد الأقوام والبلدان، عندما يصمم البعض على أن لكل قوم ولكل بلد رؤيتهم؛ فما حدود البلد، وما حدود القوم، هل يختلف سكان القرية الواحدة المنتمية إلى جنسيتين، في قضايا الأهلية والمواقيت؟!

أفيضوا من حيث أفاض الناس.. والسلام عليكم