يُعرف عن الرئيس محمد ولو مولود بأنه مفاوض من طراز رفيع وأنه رجل ظلت يده ممدودة للحوار منذ عهد ولد الطايع وحتى اليوم، ولكنه اتخذ ـ من بعد انتخابات 22 يونيوـ مواقف متشددة لم أجد لها تفسيرا مقنعا، ولا تتناغم مع مسار الرجل ولا مع حكمته ورجاحة عقله.ومن المعروف كذلك بأن الرئيس سيدي محمد ولد بوبكر، والذي يفكر بشكل جدي في تأسيس مشروع سياسي جديد، كان عليه أن يخاطب عقول وعواطف "الطبقة الوسطى سياسيا"، أي تلك الطبقة التي لا تحسب على المعارضة المتشددة، ولا على الموالاة المتطرفة.. هذه الطبقة تحتاج لخطاب معارض هادئ..للأسف لقد اتخذ الرئيس سيدي محمد ولد بوبكر بعد الانتخابات موقفا متشددا قد لا يخدم مشروعه السياسي، وقد لا يلاقي ترحيبا لدى هذه الطبقة التي يُفترض بأنه سيستهدفها من خلال مشروعه السياسي.ما كان على الرؤساء سيدي محمد ولد بوبكر ومحمد مولود وكان حاميدو بابا أن يفهموه ويحتاطوا له هو أن الرتبة الثانية كان قد حصل عليها الرئيس بيرام، والذي تحوم الشكوك حول علاقته بالسلطة، والذي يُعرف عنه أنه خبير في اقتناص الفرص، ولذا فقد قرر أن يفتح قنوات اتصال مع النظام ربما من دون علم شركائه في المعارضة.لقد كان من المفترض بالرؤساء سيدي محمد بوبكر وكان حاميدو ومحمد مولود أن يتخذوا مواقف غير متشنجة من نتائج الانتخابات، وأن يمهدوا بذلك لفتح قناة اتصال مع الرئيس المنتخب، ولكنهم قرروا أن يتخذوا مواقف متشنجة وغير سياسية، فإذا بهم يفاجؤوا بأن النظام قد فتح ـ دون علمهم ـ قناة اتصال مع شريكهم الذي حل في الرتبة الثانية في الانتخابات، والذي يملك جماهير قادرة على النزول إلى الميادين.ما بين الاستغلال الفج للفرص والإضاعة الكاملة لتلك الفرص توجد منطقة وسطى يليق اللعب فيها بالسياسيين العقلاء. يحق للسياسيين العقلاء أن يرفضوا الحوار مع رئيس منصرف في آخر أيامه، خاصة وأنه لم يكن خلال العقد الذي حكم فيه البلاد متحمسا للحوار الجدي معهم، ولكن لا يحق لهؤلاء السياسيين العقلاء أن يرسلوا رسائل غير مطمئنة لرئيس منتخب أكد في حملته وفي برنامجه الانتخابي بأنه سيتشاور وسيتحاور مع كل شركائه في الوطن.
مرة أخرى أقول بأن المواقف المتشنجة من نتائج انتخابات 22 يونيو لم تكن تليق بمرشحين وبقادة سياسيين كبار من طينة محمد ولد مولود وسيدي محمد بوبكر وكان حاميدو بابا.
حفظ الله موريتانيا..