خرجة الخروج / محمد عبد الله ولد لحبيب

سبت, 21/12/2019 - 13:01

إذا خرجت للناس لتقول لهم إنك موجود، فمن المناسب أن تكون موجودا فعلا.. أما إذا خرجت للناس لتطلعهم على حقيقة وجودك التي تريد أن يترسخ غيرها فأنت تمارس نوعا من الانتحار تحسبه ناعما، وهو في منتهى الخشونة.

ما كان  يدفع الناس إلى الاهتمام بالرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز ليس وفاء الرئيس سيدنا عالي ولد محمد خونه، ولا الرئيس بيجل ولد هميد، ولا كونه متشبثا بالقانون مدافعا عن الحريات. 

ما كان يدفع بعض الناس للاهتمام بالرئيس السابق وما يقوله هو مزاعم أنه يمتلك بعض أوراق القوة، وباستطاعته التأثير في المشهد السياسي، ويبدو أنه خرج البارحة ليقول إنه لا يملك إلا أرشيفا من الخطابات الداعمة لحججه بشأن ترسيخ الديمقراطية، ودولة القانون، والبطاقة رقم ٠٠٠٠٠٠١ في حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وشهادة من ولد محمد خونه وبيجل. وشيئا قليلا من التغيير في لهجة الخطاب تجاه خصوم الأمس.

 حاول الرئيس السابق تسجيل نقطة ضد الرئيس الحالي في موضوع الحديث للصحافة الفرنسية، وسجل بعض النجاح حين الكلام عن تلفزيون فرانس ٢٤ لكن الأمر اختلط عليه حين أراد تعزيز المكسب مع صحفي وطني سأله باللغة الفرنسية، ونسي أن في موريتانيا مواطنون لا يتكلمون الحسانية، وربما يهم بعضهم أن يسمعوا شيئا مما سيقوله.

الإجابات المقتضبة تدل على حذر غير معهود عن عزيز، واتقاؤه الحديث عن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يدل على سلوك جديد هو الآخر، ويناقض ما رشح من بعض الإجابات أثناء المؤتمر الصحفي، وما تسربه الآلة الإعلامية التي تمارس الدعاية له.

ولم يخل تجنب الحديث عن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من افتعال التأكيد عبر تكرار أسئلة بعض الزملاء الذين يطرحون في العادة أسئلة يودها عزيز ، وطرحوا السؤال بأكثر من صيغة ليجيب عنه عزيز، أو على الأصح ليرفض الإجابة عنه بأكثر من طريقة!.

كان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز متناقضا مع ما عرفناه عنه خلال عشر سنوات واستمر حتى أيام الحملة الرئاسية، التي قال من على أحد منابرها إن "محمد لن يقول لكم ما سأقوله......" واستمر يعجن بالسادة الإخوة الرؤساء الرمل في خطاب نواذيبو لافتتاح الحملة.

الخلاصة أن هذا عزيز جديد سياسي يتجنب الأسئلة المحرجة، ويتهكم عليها، ويهرب من الحديث بصراحة عن المستقبل، ويراوغ ويتكلف الغموض.! ويحاول لعب دور الضحية، وكل هذه أشياء ليست من عادات عزيز الذي نعرف.!

خرج عزيز خرجته البارحة، ليُخرج عزيزا الذي نعرف من أذهاننا، وليَخرُج علينا بعزيز جديد نحتاج لمعرفته إلى فترة قد لا يصبر على طريقها، ونكون قد خسرنا عزيزا الذي نعرف، وربحنا مناضلا غير صبور.. وخسر عزيز مكانته، ومكانه كرئيس سابق، ولم يربح مقعدا متقدما في صفوف المعارضة.. فمثله تماما ما قاله ولد محمد خونه: لن أكون مع الذين ساروا بالحزب في هذا الطريق، ولكني لن أقاومهم.

ما بقي من الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز أقل بكثير من أن يشكل أي تحد للنظام السياسي القائم، ولكن الذين يستخدمون هذه البقية يعتقدون أنها أكثر مما يحتاجون لإعادة التموقع في النظام السياسي، فمجرد وجودهم إلى جانبه في المنزل أمام كاميرات الصحافة يجعل السلطة السياسية تعطيهم شيئا مما يريدون، وتسمح لهم باستعادة العلاقة معها، أو مع بعض دوائرها.  هكذا يظنون غفلة!

 سيكتشف الرئيس أن من تركوه للوهلة الأولى كانوا أكثر  صدقا في علاقتهم به ممن بقي لحين استنفاد آخر ورقة نقد قابلة للاستعمال، وكان الأولون أخف مؤونة أيضا لأنهم غادروا مبكرا، وبه رمق. 

وكان الأولون أكثر شجاعة لأنهم غادروه ومعه بعض أوهام القوة، ومظان النفوذ، وفي تركه بعض من شرف المنازلة، وفي وضح النهار، ولم ينتظروا حتى حلول الظلام للتسلل لواذا.. وهم يخالسون تسلل الرئيس المؤسس.. ففي حديثه البارحة ترك مسارب للتسلل في أي لحظة، وتحت جنح أي ظلام. 

الخرجة الإعلامية القادمة ستكون بلا زخم، والتي بعدها ستكون بلا ضجيج، والتي بعدها..، قد لا تكون.. سيتلاشى خيط الدخان بأسرع مما نظن.