في مقال سابق تناولت ضمنه التطوع تحت عنوان: «مفهوم التطوع بين اللغة والدين والمجتمع»، توصلت بعد البحث، جمعا فتفكيكا فتنسيقا، إلى وضع تعريف قلت فيه: «التَّطَوُّعُ: مَا بُذِلَ مٍنْ جَهْدٍ مادِّيٍّ أو مَعْنَوِيٍّ، لَيْسَ مُلْزِماً، وَهوَ ذُو نَفْعٍ يَعُمُّ»، وقد تم نشره على موقع (موريتانيا الآن) حيث يمكن الاطلاع عليه كاملا هنالك.
بَذْلُ الجهد عمل بشري يخطئ ويصيب، فلا بد له إذاً من تنسيق وإشراف وتأطير مباشر لترشيده وتقليل المخاطر التي لا يخلو منها أي عمل بشري؛ فالعمل البشري لا بد فيه من ارتكاب أخطاء بمجرد القيام به، وإذا أُحْجِمَ عنه مطلقا خشية ارتكاب أخطاء كان هذا الإحجام هو أكبر الأخطاء، فما العمل إذا؟
من خلال معالجة هذا الإشكال فلعل وعسى أن أعثر على بعض الضمادات التي أرجو أن تكون عارية هذه المرة عن التزوير وأنا أُنَقِّبُ خلال المائة يوم الثانية للعهد الغزواني ببعديه الزماني والإصلاحي؛ لأن وزارةَ الصحة محمودةَ الجهود ليست وحدها المعنية بانتهاج مسار صحيح في إطار (تعهداتي) بل إن جميع الوزارات والإدارات ومختلف مفاصل الدولة معنية بالإصلاح كذلك. وإذا كان شعار «الإنسان المناسب في المكان المناسب» هو بوابة الإصلاح أصلا، فلا شك أن تولية المؤسسة المناسبة للمهمة المناسبة هو التطبيق العملي المكمل للشعار الآنف.
من هنا أعود إلى موضوعي الرئيس: «مَنِ الْأَوْلَى بالولاية على التطوع: الداخلية أم التشغيل؟».
لقائل أن يقول: المبادر أولى، وقد بادرت وزارة الشغيل والشباب والرياضة بفكرة التطوع وأفسحت الحكومة المجال أمامها، ربما لتقدير أن الشباب، وهو القوة الأكثر حيوية في المجتمع والأكثر بطالة والأقل حظا من ثروات البلد، لتقدير أن هذه الطاقة البشرية العظمى يمكن الاستفادة من فراغها لإنجاز أفعال خير تخدم المجتمع وبتكلفة متواضعة، لذلك كان البدء بالفئة غير المتعلمة التي يسهل التعاطي معها بالنظر إلى المقتضيات آنفة الذكر.
قبل أن أصل إلى هذا التحليل كان يصعب علي فهم كون وزارة التشغيل هي المسؤولة عن الإشراف على الأعمال التطوعية، وكنت أقول في نفسي: لما ذا وزارة التشغيل بدلا من وزارة الداخلية؟ بل إن حديث النفس هذا تداعى بي حتى اسَّاقَطَ على برنامج (الغذاء مقابل العمل)، غير حسن الصورة مع الأسف، في بداية ثمانينات القرن الماضي - أي منذ بضع وثلاثين سنة. وكرد فعل على محاولة إعادة مُنْتَجٍ غيرِ رائج، أبنت عن أن الرأي عندي هو أن تتولى وزارة الداخلية واللامركزية مهمة التطوع؛ لأنها تمتلك من الوسائل على الأرض محليا، وفي كل تجمع سكني، ما يؤهلها للقيام بعمل ميداني مستمر وذي فائدة... فالداخلية واللامركزية تستتبع الولايات والمقاطعات بطواقمها وسلطاتها الأمنية، كما تتولى الوصاية على البلديات والمجالس الجهوية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب السياسية، وتتقاسم الكثير مع الوجهاء وذوي الشأن وحتى المهمشين وذوي الحاجات الخاصة: فهي إذا المؤهلة بامتياز لإشراف كهذا بحيث تنسق جهود رجال الأعمال والمحسنين المتطوعين ماديا من جهة، وذوى الأكف الفارغة والأعِفَّاء والمتطوعين بسواعدهم عموما من جهة ثانية.. وعندها لا غرابة في أي إحسان يصل إلى لهفان مُوصىً برحمته.
إنني، ومن منطلق وقوفي بحزم مع برنامج رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، والشكر لله إذ لست وحدي في ذلك فهذا ليس محل مزايدة، من هذا المنطلق أريد لكل خطوة ذات صلة بـ(تعهداتي) أن تنفذ بأعلى درجات الدقة الممكنة كي تثمر على الأرض وتُبْقِيَ ما ينفع الناس، وإلا لما كان لمسألة الولاية على التطوع عندي أي شأن... ولست في حاجة إلى مزيد بيان وأنا منذ ما يزيد على عشر سنين أضرب على يدي عن الكتابة ذات البال في الشأن العام رغم ما يعتمل من شؤون!!
عودا على بدء، في مضمار الولاية على التطوع، لا يستطيع المتابع للأحداث إلا أن يثمن عاليا حيوية وانسيابية وأريحية وزير التشغيل والشباب والرياضة، وكذلك ما قام به قطاعه من جهود في مجال التطوع، ولعل من المناسب أن يعطى فرصة لتقديم المستطاع لدي قطاعه؛ فلا شك أنه ذو فائدة وأن الحاجة إليه قائمة طردا وعكسا في أن معا، أي بذلا من الوزارة واستقبالا وجهدا من المواطنين – خاصة الشباب العاطلين من غير حملة الشهادات. ثم إن قناعتي راسخة بأن مآل عمل تطوعي مستمر وذي بال لا بد، ولو بعد حين، أن يكون من اختصاص وزارة الداخلية واللامركزية.