التطوع .....حياة

ثلاثاء, 19/11/2019 - 16:15

لو سألت عن بداية الحياة الإنسانية المُنظَمَة لشرح لك عن تجمعات من الأشخاص يتعاونون لتحقيق أهدافهم معتمدين على قدراتهم المختلفة المسخرة في سبيل الجماعة ، ومع تطور الحياة باتت تلك الحاجيات مؤمنة ببساطة فالناس كثر ، واتخذ كل منهم مهنة تناسبه وانطلقُوا في حقول العمل المختلفة- والعمل كما نعلم مصدر للرزق- وهكذا تسارع التقدم إلى أن سبق إدراكنا ، ورافق هذا التقدم ظهور "عمل" من نوع آخر هو العمل التطوعي . 
و التطوع لا يعني بذل الذات عن الآخر بل تخفيف الحمل الملقى على عاتقه ، وبالتأكيد فإنه من غير الممكن أن يلقى كل هذا الحمل على عاتق المتطوع ، بعبارة أخرى أرى أن هدف العمل التطوعي هو مساعدة الآخر مع عدم إلحاق الضرر بالذات . 
وكلنا يعلم بأن العمل التطوعي عمل سامٍ ولكن كما كل شيئ في هذه الحياة فإننا نلاحظ الكثير من الشوائب التي تعكرُه ، فمثلا تحتاج أي جماعة بشرية ذات تعداد معين وتعاني من نقص معين لمن يقدم لها المساعدة بما يغطي إحتياجات هذه الجماعة ، فالفرق التطوعية والجمعيات التطوعية  والأندية التطوعية مثلا وهي محور حديثي عيِنةً من الجماعة تخدم كامل الجماعة وبالتالي تخدم نفسها أيضا ، فأين المشكلة إذا؟  
نعاني اليوم من فيض المتطوعين فعندَنا متطوعون بشكل قادر على تغطية كل الاحتياجات المطلوبة ولكن بتنا نلاحظ في الدفعات الجديدة وجود أربعة او خمسة فرق تطوعية تمارس نفس المهمات فهل نحن بحاجة لذلك حقا؟ بالطبع "لا" فالزِيادَة هنا مجرد بطالة مقنعة كان الحُري بها أن تختار التطوع بزاوية أخرى مفيدة لهذه الجماعة بدلا من هذه الزاوية فهناك فرق ما بين المنافسة و الإفراط . 
المشكلة الثانية هي فئة "الاتِكاليِين" وهم فئة ليست بالقليلة من الجماعة تعتمد في كل احتياجاتها على المتطوع رغم أن التطوع كما ذكرنا يغطي نقصا معينا ومن غير المطلوب منه العمل في الحقل المكتَمل ، ولن أكذب إن قلت أننا اليوم بين مطرقة وسندان المطرقة هي عزوف الأشخاص عن العمل التطوعي واكتفائُهم بممارسة أنشطتهم اليوم العير تطوعية حيث أنهم حتى إذا واجهَتهم مشكلة حركُوا خمسين شخصا لخدمَتهم في حلها دون أن يتحركوا هم ! ، وبالمقابل فإنه لا قدرة لوجَستِيَة ضمن إمكانياتنا المجتمعية لأن يقوم كل منا بشيء يخص حياته اليومية وبالتالي لا بد من التعاون . 
هنا المعضلة باختصار أننا يجب أن نتعاون ولكن على الجميع أن يعمل ولو بالحد الأدنى ، ومن مشكلات العمل التطوعي أيضا حب الظهور وهي مشكلة كبيرة ، فمن يتطوع لكي يظهر نفسه وينفُث ريشه أمام الناس غالبا لا يقدم المطلوب منه في عمله التطوعي لانشِغالِه في حملته الدعائية لنفسه وبما أنه يشغل موقعا ما ضمن المنظمة فإنه يحرم أحدا آخر أكفأ منه من الحصول على هذا الموقع ، وعلى الجانب الآخر مشكلة من الجماعة التي ترفض عمل متطوع أو تواجهه لا لعيبٍ فيه بل للاختلاف مع شخص المتطوع او لنظرة مسبقة حوله ، والصحيح هنا أن يتم تقبل ما يقدمه المتطوع بحيادية مثلما يقدم المتطوع هذا العمل بحيادية للجميع سواء كان على خلاف معهم او على وفاق . 
ومن المشكلات أيضا ألا يكون العمل التطوعي بهدف التطوع أصلا أو أن يواجه متطوع متطوعا آخر على خلاف معه بالأسلوب . 

الرسالة التي أود أوصِلها للقارئ هي : 
1- للشروع بأي عمل تطوعي جديد يجب أختار بيئة مناسبة تحتاج لهذا العمل أي أن يكون وليد حاجة بيئته وليس أن يزج نفسه في بيئة مكتفية 
2- أن يكون العمل التطوعي نابع عن قناعة بأنه لمساعدة الغير وبالدرَجَة الثانية لمساعدة النفس في إطار الخير وليس الفساد ، وألا تسيطر الأنا كيلا تسقط ال نحن 
3- أن ندرك أن التطوع طمعا بمَكسب ما من الخدمة المقدمة بغض النظر عن تقديم الخدمة لفائدة الآخرين او لا ليس عملا تطوُعيا بل تجاريا 
4- أن نكون جميعا متطوعين نساعد غيرنا بسد حاجة كل من له حاجة ويساعدُنا غيرنا في سد احتياجَاتنَا وان نبتعد عن الاتكالِيّة والخمول وحب الذات . 

مديرة موقع الصادق في لعصابه خدجة محمد لمين